التاريخ: 25/11/2021
مقالة رقم: 48/2021
جفـــرا
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
“جفرا وهيي الربع جفرا الجهاديي مية وعشرين سبع صاروا خمسميي…”
جفرا الحبيبة تلك المرأة الفلسطينية الشهيرة التي أصبحت رمزًا وأيقونة فلسطينية…لكن، حكايتي هذه ليست عن شعار الأنوثة الكنعانية ولا عن سحرها وجاذبيتها التي أوقعت ابن عمها بها وشغفته حبًا فراح يناديها في غفوته حتى…لا، لا…إنما عن فرقة فلسطينية تراثية اتخذت هذا الإسم إكرامًا ل”جفرانا”، جفرا…
تأسست فرقة جفرا التراثية الفلسطينية في بيروت سنة 1993 حيث أنها بدأت مع طلاب فلسطينيين في الجامعة العربية في بيروت وانضم إليهم بعض العرب الآخرين من لبنانيين وأردنيين ولكن جفرا كانت بأغلبها فلسطينية وطابعها فلسطيني أصيل، من أحد أهم أهدافه هو نشر التراث الفلسطيني عبر اللحن والأغنية والكتابة. كان يديرها الطالب الفلسطيني محمد موسى وانضم إليها كل من نضال راشد ويحيى عيسى وشكري شاهين وغيرهم من الشبيبة المبدعة إضافة إلى الشبيبات الجميلات أغلبهن فلسطينيات حيث كن يلبسن الثوب الفلسطيني ويضعن الكوفية التي أصبحت شعار كل ثائر حول العالم.
فرقة جفرا التراثية الفلسطينية كانت عبارة عن كورال غنائي وموسيقيين منهم عازف العود خالد حسين الذي استمر طيلة أيام الفرقة بينما كثر تغيروا وتبدلوا بفعل ظروف الحياة والسفر…
تطورت “جفرا” ونمت فصارت تقيم جولات وحفلات في المسارح وانضممت أنا إليها فيما بعد في سنوات لاحقة من تأسيسها حيث كنت لا زلت في المدرسة وعشت جزءًا من تجربتها الغنائية التراثية الفلسطينية على المسارح مثل مسرح المدينة ومسارح مختلف الجامعات والمخيمات الفلسطينية في لبنان.
آه، لا زلت أتذكر نفسي في حالة فوضوية حيث كنت متوترة كثيرا قبل الصعود على المسرح، مسرح المدينة في بيروت، ومن لا يعرف مسرح المدينة “البيروتي”؟ كم أعشقه وكم أحن إليه… شددت شعري بالكوفية ولبست الثوب الفلسطيني فوق ال”جينز” بشكل سريع بينما كانت أمي في زيارتها إلى فرنسا حيث كان يقيم أخي له الرحمة، فصرت أكلم ذاتي في الكواليس وناديت لأمي…ماما…تسارعت دقات قلبي بشدة ورجفت يداي وما أن تقدمت إلى المسرح، عادت روحي إليّ واشتعل حسي بالمسؤولية تجاه موطني الحزين، المقتول، وذهبت بي الأشواق إلى فلسطينتي…فغنيتها بصوتي مع كل الزملاء والزميلات وكنا نعيش لحظات مليئة بالسعادة والشعور بالتفوق الوطني. هنا فلسطين من مسرح المدينة في بيروت الجميلة والنابضة ثورة وثقافة وفرح…
كان يعود قسم من الأغنيات والأناشيد إلى فرقة العاشقين الفلسطينية الشهيرة التي تحكي الوطن والثورة وكذلك إلى الكثير من الأغاني التراثية الفلسطينية الأخرى وشعر محمودنا، محمود درويش، إضافة إلى التصرف ببعض الأغاني الشهيرة مثل “على اليادي” التي غنتها نجاة الصغيرة المصرية الغنية عن التعريف حيث تم تغيير كلماتها لتصبح وطنية فلسطينية فمثلا:
“على اليادي اليادي اليادي خضرا أرض بلادي…”
وهكذا كانت رحلة فرقة جفرا…لقد سافرت بحكم الدراسة لكن جفرا بقيت واجتهدت واستمرت تغني البلاد وتعزفها وتقول شعرها وتنشر ثقافتها…جفرا وهي الربع جفرا الجهاديي…
تألفت فرقة جفرا الموسيقية من عود وأورغ وإيقاع وتغير أيضا كثر من العازفين بحكم الحياة والشتات الفلسطيني القاسي والقاهر ولكن، أدخلت إدارة جفرا آلات جديدة مثل البيانو، الساكسوفون، الناي والقانون الجميل إضافة إلى العود والإيقاع طبعاً وكذلك تغيرت إدارتها فأصبحت بإدارة الأستاذ محمد حسان ودخل إليها الغني عن التعريف الموسيقي زياد سحاب سنة 2000 ومنذ سنة 2001 حتى 2006 كانت جفرا تضم عازفين محترفين وكورال جميل وتم أيضا إضافة البزق والغيتار “بيس”. فكانت أعمال جفرا منذ 1993 حتى 2006 بقرابة 6 حفلات سنويًا.
أما اليوم، جفرا تناشد كل الجمعيات الفلسطينية وغيرها، جفرا تحتاج للدعم. برأيي، لإبقاء فرقنا الفلسطينية التراثية، علينا أن نوجه صرختنا نحو مؤسساتنا. فهل من المنطقي أن تتوقف أعمال جفرا بعد كل هذا الجهد والإبداع والكد والتعب؟ هل من المقبول ترك كل من يثبت الوجود الفلسطيني ويعيد إحياء لا بل ينشر تراثه ليواجه أزماته وحيدًا؟ أطالب المعنيين بالإلتفات إلى هذا الأمر وضرورة دعم مبدعينا كافة على تنوعهم…
جفرا، أحبك….