الكاتبة غادة رسلان شعراني تقرأ في ” أنا .. بيروت ” للشاعرة ميشلين مبارك ” تكتب الصمت على دروب تحتفل بالضوء “
تهدي شاعرتنا ديوانها إلى بيروت … الروح المشرقة من النور والقيامة المزهرة بعد الدمع لتغدو شاعرتنا الزهرة التي تنبت في كل الفصول …
في بيت طفولة شاعرتنا فاح عطر الغياب لكنها استمدت الدفء والحنان من حكايات جدتها وأبطالها وعصر الزيتون وضحكة الصغار فامتزج الحب بالزيت وذاب بصدى الصلاة في الوادي …
عاشت شاعرتنا منذ طفولتها مع إيمانها وبخور بيت جدها ونذور أمها التي اكتنزت بتضرعاتها واغتسلت من المياه المقدسة …
لم يعرف بيتهم الطائفية ولم يميز بين الفقر والغنى فكان سلاحهم المحبة والصلاة والعلم …
كان الانتماء الحقيقي إلى الأرض-لبنان-بيروت هو الانتماء إلى الأصالة-إلى النور-إلى الحرية فباتت بيروت هي شاعرتنا وكل من يقرأها وكل أبناء الشعب …
وصفها الأستاذ (نعيم تلحوق) بامرأة القلق الدائم ، المحرورة مع إيقاعاتها المختلفة ، قلمها مفعول في فاعل اسمه (ميشلين مبارك) …
رغم قلقها ترقص ابتسامتها على خديها ، هي ابنة جبل لبنان تمارس تقواها بعلانية ، بمفهومها المدني للوطن تقرع جرساً وتؤذن حباً فنصوصها برأي (الأستاذ تلحوق) تشعل أمنية في فضاء الأغنيات …
شاعرتنا بيروت المدينة المبللة بالحزن الهاربة من عبودية الحب تكتب قصائدها على جدران الذكريات لتكتب صمت الشعب على دروب تحتفل بالضوء ، هذا الشعب الذي يسكنها وتسكنه ، تدعوه ليحرك الوقت قبل تحرك رمال الجوع وتشابكها ، فالدمع يشفي الحزن لكنها تدعوه قبل بزوغ الدمع .
تهدي وطنها خفق الحرف ، عصف الفكر ، وجه النور ، اتكاء الفلاح على تعب يغسله المطر و مراكب محملة بالقصائد
تهديه خبز الصباح للجياع في مدينة مغناج رقصت حول الفرح والحزن أبجديتها ، تهديه عطر حبيبها في الأحلام الصامتة وقصيدة الخريف في شعر ثائر لحب يغفو ويصحو في قلبها ، لوطن من وهج وضباب …
تقول لصديقها الشاعر أنهما لا يتشابهان في الدمع والمنفى والحنين فهي قد حرمت من الحج إلى بيت جالا ، إلى فلسطين وهو قد عانق بيروت يغازل شوارعها ويتسامر مع مقاهيها فكتبها قصيدة
أما مدينته فصارت كنيسة تأخذها إليها صلوات الرحيل …
بينهما فضاءات لا تنتهي وطرقات تتلاقى فيها الحروف ، بينهما رياح توحدت فيها أبجديات الأوطان ، وشاءت سنابل القمح أن تجمع الروح …
مازالت شاعرتنا تحبو أمام حبها ، يضيق بها الكون وتصمت أمام جدران الصلاة ، تحيط بها أقبية الخوف ، تتوسل النور وتشيخ وأصوات الأرض مبهمة …
يتآكل الوقت شاعرتنا فتخاف الساعة وعقاربها التي تتحول إلى أخطبوط يمتد إلى رأسها ، يتنفس ، يحيا على وقع نبضات قلبها فتصارع الموت ، تهرب ، تُسجن ، تذوب و تتحول إلى نبضات مسروقة من الحياة …
الأرض جنين والشمس غامت وتعاظم الغضب ، أمطرت أولادها بالصلوات فخضع الليل لأصوات الفرح ونبت القمح وصارت الأرض قيامة …
تبدأ شاعرتنا وعي الحب بكلمة (أحبك) من أول السطر وتنتهي بها فتنهمر الكلمات لتضيع كطفلة في ثوب العيد تخاف السقوط وتشرب وجعها …
جفّ الحب و بردت قبلاتها و فاح عطر الغياب من جسدها ، تنفس الانتظار ثقيلاً والحروف تنزهت طويلاً لكن كلمة واحدة شريدة تروي ظمأ القصيدة (أحبك) تبدأ ولا تنتهي …
أنبأتها العرّافة أنه يحب نفسه أكثر مما يحبها فقد تركها وحيدة في عتمة القصيدة تستغيث بلا رجاء وهو يتأملها …
ألا يعلم أن حبه هو الضفاف والنجاة ، وأنها لا تؤمن بالعرافات …
حبيبها يشبه الثورة فهو المُشرق في غضبه ، تقترب منه لتجد حريتها ، كطفلة معجبة بأمير الحكايات ، يخيفها حلم الفرح فما يلبث الحزن يوقظها ، تُبكيها قصائد الغزل فهي تعلن الجفاء بين الأحبة وتتجمع أوقات خيبتها ، تلملم صرخات الدمع وتنساب صوتاً في الفراغ وخطواتها تخاف الظلمة ، وحده حبيبها يضيء عمرها المحترق فترسو قصائدها فوق خصل الشمس وتحلم القبل بثوب العرس …
باحت للبنفسج بسرّها فكساها اللون بدفئه وبزغت بهجتها ، زيّنها بمشاعر التمني ، متّعها ببدايات الصبا و طيّبها بنور الألم
مع حبيبها يلتئم جرح الغياب وتنطلق الألوان تغني …
تبادلا الأعذار والسلام والكلام وسقطت الدموع الصامتة لكن أحلامها سكنت الريح المتمردة ، لا بوصلة ولا نجاة …
عندما تثاءب طلب إليها النوم على صدره
لكنها تخاف الناس ، الجنون والغليان فانتهى اللقاء ولم يكتمل الحب ، تثاءبت ، فغفت على صدر القصيدة …
بين مقولة /ربما يأتي/ و مقولة /ربما لا يأتي/ فاض الوقت على شفاه الفنجان و ذاب الحب في مقر الانتظار …
يردد الحبيب على مسامع قصيدتها أنه -يموت فيها- وهي تجمع دموعها وأشواقها ، تخبىء قبلاتها في راحة يديه و تنثر صلواتها في صدى صوته ليعبر أدراج الحياة …
بالله عليه كيف يموت بها وهي في موته قيامة وهو لظمئها سعادة ، في روحه وطن وفيه بذور الخلود …
قناعة شاعرتنا أن النور يأتي من باطن الأرض وينادينا الفرح من جدار الصمت فلا شيء يحجب وجه النهار ويمنع الشمس من الانتصار فلندع أنفسنا في أقبية الحزن و نكتب قصيدة الأشجان ، نضحك مع بكاء الأمطار ليتحول الألم إلى ثمار ويصير الوجع أنين أشجار ينزف الحنين مواسم أشعار …
عينا حبيبها تشبهان شموخ بغداد في مقاومة الحزن وجمال بيروت في ثورة زاهية الألوان ، تتلاقى المدن في عينيه ، تلمع في مساءات القاهرة لا يقهرها سلطان الضجر ، تحمل ثقافة قرطاج ، في بريقهما ذكاء فلسطين وسحر الشام كشابة دائمة في العشرين ، عيناه تحمل وحدة عُمان وهموم العرب أجمعين فكيف لها أن تقرأ عينيه بعيداً عن حب الأرض وإغواء الياسمين وكم من كلمة تائهة تبحث عن عينيه لتكتب قصيدة الحرية …
ترفقي به يا شاعرتنا ياشاعرة قصائد الغزل فقد اعتاد رتابة الأيام وضجر الفصول وقوافل الذكريات …
ماذا يكتب لشاعرةٍ تُحوّل الحزن إلى فرح ، تغفو كلماتها على ورقه لتوقظ الوهج ؟
ماذا سيكتب ولم يعد للعمر متسع لغير قصيدة تنساب في سماء عينيها لتسافر أناه ؟ …
في قانون شاعرتنا ماكان الرجل لولا المرأة فهي أنشودة تغني بأنها الكرامة ، والوفاء ساكن ظلها ، أنها في ليلة العرس حلم التمني ، عطر الأمومة والحب ، أرزة في الأرض …
تعتري شاعرتنا رغبة في البكاء فخيال الابتسامات يهزأ بها ، تأخذها الرياح في سفر حزين تسقي ظلال الحب من بعيد ، ترى ثماره في الراحلين لتبدأ الحكاية من جديد …
الوحدة موجعة كدحرجة الصخور لكن وجهها يناجي ينابيع النور ، وجهها في الريح والريح تلعب بالأشكال ، صلواتها تختنق في الغياب ويظل وجهها يحلم بالضياء …
تعلمت من الغياب أن تعيش مع ظلها وتتصالح مع ذاتها فالصمت لغة الكون والألم زهرة مغروسة في جسد الوطن والرمال المتحركة في روح الشعب …
عبادة الأشياء ، الكواكب المخادعة ، الأمطار الفاسدة هي الهزائم والمآسي …
صنعت طائرتها الورقية لترسلها عساها تعيد أباها من الغياب فمضت بين أيدي السكون ، عبثاً أطفأت الخوف في نفسها وأرهقها الانتظار لتظل على شرفة ذاكرتها طفلة تبكي وصوت الريح يرقص …
تمسكت شاعرتنا بأغصان الزيتون ليحملها النور إلى ينابيع الضياء مخافة السقوط ، حتى نمت الأشجار صلوات تلامس أنفاس السماء لتكون وطنها وتسمع فيها صدى الحنين ، ترى أزهار ضحكاتها ويشفيها الزيت من الوجع ، يمسح جبين قصائدها بالطيب ، ولم تعد تهاب السقوط …
بين قصائدها النثرية أهدتنا قصيدة باللغة المحكية يوشوشها فيها حبيبها أن وجودها صلاة وأنها روح مقدسة لتعلن فيها أن محبته كل الدني … عَ مفرق طريق ياريت منلتقي …
كما تتحفنا بشذرات تطلق عنانها كومضات فتبوح لنا أن أبجدية حبه هي كل لغاتها وأن الشعر يفوح من عينيه كلما التقت به ، حين تراه تغدو كالشرق في حالة ضياع حين تعبر بها عواصف حبه ، وحين تنتهي معركتها تغلبها شمس حبه ، فهي جددت جواز سفرها إلى عينيه ، هو ليلها وغفوتها ونهارها وصحوتها فالعمر لا يكفي للحب
فقد دخلت إلى امتحانها بلا قلم وخرجت بوثيقة ولادتها فهو الأقرب إليها من نفسها ، وما أجمل الإنسان حين يتحول إلى قصيدة …
في الوطن تحولت وجوه الناس إلى صفحات بجملة واحدة (النهاية التعيسة) أما شاعرتنا فهي جُملته بكحل العينين و بضحكتها المجنونة فقد كحلت عينيها بمفاتن بيروت وغدت الأم ال (نحن) في الفرد ، عساه الحزن لا يفضح أمرها …
تختم شاعرتنا ديوانها بمقال عن الكورونا لتستنجد بالطبيعة الأم لأنها البياض الوحيد في ظل كل هذا الزيف لذا فهي تتحلى بالصبر وتستشهد بآية من الإنجيل المقدس : ” من يصبر إلى المنتهى … يَخلُص ” …
نراها الصابرة التي تقف في الظل تبحث عن المعنى بحريتها التامة علها تعبر إلى الضفة الثانية …
شكراً جميلاً الرقيقة والراقية الشاعرة والإعلامية ميشلين مبارك لبيروتك … الأنا فيك … لجمال روحك فيها وجمال روحها فيك …
( الكاتبة: غاده رسلان الشعراني)
إنه تعليق في المستوى الآءق اتمنى لكما المزيد من العطاءات
تحياتي اليك استاذتي والشاعرة المرموقة غادة رسلان