.. حصل موقع ” ميزان الزمان” الأدبي على كلمة الكاتبة والشاعرة ميشلين مبارك في كتاب ” مواويل لعرس النِّدي ” للشاعر قيصر مخايل والذي صدر مؤخرا عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة ..وهنا نص الكلمة :
خيّاط الابداع
يقول جبران خليل جبران: “ما أصعب ان تعاشر الناس وتكلمهم بلغتهم فيحسبون ان لا لغة لك سواها، وعندما تكلمهم بلغتك تجدهم لا يفهمون منها حرفا، وتجدك مضطراً إمّا الى الصمت وإمّا الى تدريسهم الالف والباء من هجاء لغتك. وما أكبر بهجتك عندما تقع على من يعرف لغتك مثلما تعرفها”.
وقيصر مخايل هو من الفئة الأخيرة من الناس، أمّا اللغة التي تجمعني به فهي المحبة الصافية النقية المتحررة من المصالح والغايات. فإلى جانب شخصية قيصر المتعددة المواهب من شاعر ورسام وإعلاميّ، والتي سآتي على ذكرها لاحقاً، فلديه قيّم إنسانية نادرة في هذا الزمن. فممّا لا شك فيه بأنّ قربي منه وتفاعله معي ومع جميع الناس ينطلق من تواضعه واخلاقه العالية إضافة الى احساسه المرهف النابع من ايمانه الشخصي ومن عائلته الملتزمة بالقيم المسيحية والوطنية، هذه الأمور صقلت شخصيته المترفعة عن الأمور الدنيوية من ناحية والمثابرة بجهد شخصي لتحقيق الطموحات والاحلام من ناحية ثانية.
هو من الأصدقاء النادرين الذين يشجعونك على الكتابة والمشاركة في امسيات شعرية ولقاءات فكرية ويطرحون اسمك لمقابلات تلفزيونية واذاعية، ويتكلمون عنك بكل الخير حتى يعرفونك الناس قبل التعرف اليك شخصياً بسبب محبة قيصر مخايل.
ولعل ميزته الأبرز الوفاء، هو الوفي لضيعته، لعائلته، للأصدقاء، لكل شيء حتى للطيور التي يحبها ويربيها.
قيصر مخايل الشاعر:
هو شاعر ليس فقط في حروفه انما في حياته اليومية، فهو على سبيل المثال شديد التأثر بمشهد ختيار يصادفه على الطريق، او بصورة باب عتيق لبيت قروي جميل وغيرها الكثير من صور الحياة. وبرأيي إنّ الطبيعة التي ولد وترعرع فيها قيصر ولاسيما ضيعته “بان” حملت لشاعرنا أنفاسها الملهمة. والامر نفسه ينطبق على شعره الديني مهد ايمانه بيسوع المصلوب وكل ما تحمله مرحلة الالام من عِبرٍ تسكن في نفس الشاعر. انطلاقا من كل ذلك، أسس قيصر مخايل منتدى بخور الوحي (الذي جعله بمنأى عن الدين والسياسة) وصفحة “لانك معي يا رب” الدينية.
أمّا من ناحية الأسلوب، فقيصر يقولها صراحة انه تلميذ الشاعر الكبير ألبير حرب وقد اهداه قصيدة في ديوان “نحات الشمس”. أخيرا، لا بدّ من الإشارة ان لشاعرنا العديد من القصائد المغناة في البومات كبار الفنانين والمرنمين اللبنانيين والمجال ضيّق لذكرها هنا.
قيصر مخايل الرسام:
في أيلول من العام 2018 وبينما كنتُ ابحث عن لوحة لغلاف كتابي الثالث “صدى الروح”، واللوحة التي اريد لا هي تجريدية ولا هي طبيعية وقد باءت محاولاتي بالفشل. إذ بالصديق قيصر يرسل إليّ صورة لوحة تحاكي صدى أرز لبنان مع الوانها الخريفية الناطقة بالخيال ويخبرني بأنه رسمها في العام 2010. أعجبتُ جدا بها ووضعتها كغلاف لصدى الروح. ولكن المفاجأة كانت عندما أخبرني بأنه رسمها بأنامله من دون استعمال الريشة وهي طريقته في الرسم أحيانا كثيرة. برأيي ان روح الرسام في قيصر مخايل تترجم شعره الصامت لينثر في لوحاته ألوان الدهشة.
قيصر مخايل الإعلامي:
هو المعدّ والمقدم للعديد من المقابلات الاذاعية والحوارات التلفزيونية، تكتشف فيه سعة اطلاعه وتحضيره اليومي والشهر على المادة التي يقدمها. وهو حين يحاور صديقا عزيزا يكون دائما موضوعيا، يقدمه بكل احترام ومهنية. فتدرك سرّ نجاح قيصر كإعلاميّ.
في كلّ ذاك، ومع كل مشروع جديد، ترى قيصر مخايل يعصر من محبة الناس قطرات ندى تقع على أوراقه شعرا عاميا جميلا. يضع في عروة كتابه هذا إحساسا مرهفا وشفافية لافتة لتنساب خيوط القصائد في روعة البوح وعمق المعنى. هو النحات والخيّاط للكلمات في نغمة عمر، لا بل في نغمات عمر من ابداع.
ميشلين مبارك