الوردة والجدار
مهما علا الجدار على الورد، فإن الورد سيعلوه حتما في آخر المطاف. لا تستطيع قوة في العالم، أن تمنع وردة تعلو. أن تحجز وردة عن العلو. أن تمنع طاقة، نافذة درجا سياجا، حجرا ، جدارا، من طلب الورد. من الإمتلاء بالورد. من الترحيب بالورد. من التصفيق للورد، والتوسعة له في الرحاب، حتى السحاب.
يتسلق الورد على الجدران، يزحل على مهل. يبحث عن طاقة ليملأها. لا يجد في عمله صعوبة. يقهر الصعوبات بالصبر على عناد الجدار. على ممانعة الجدارة. يريد أن يوقف مسيرة الورد. زحل الورد. زحف الورد. يريد أن يرفع حاجزا، لزحف الورد. على ممانعة الجدار، لضوع الورد.
بين الجدار والورد، صراع دائم. وإنتقام دائم. وحقيقة دائمة: إنتصار الورد على الجدار.
قصور تهجر تاريخها. رحل عنها ناسها. إبتعدوا عن جدار لهم. غابوا خلف البحار. تفرقوا على ظهر موجه. سارع الورد، لملئ الجدار بالحكايات وبالأزهار. سارع الورد لنقش لونه على الحجر. سارع الورد لفقش نوره، حجرا فوق حجر. يصنع آنية من ورد.
الورد أغلب في العناد مع الجدار. مع الحجر. يصبر دهرا، ولا يتراجع قهرا. ليس من طبعه الإنصياع لأوامر القسوة. ليس من طبعه الإذعان لممانعة الجدار، لممانعة الحجر.
كلما هبت الريح زادته شهوة، لإعتلاء الجدار. لأن الورد من طبعه، أن يطل من علوه. يحلو له أن يغمز الأرض من فوق. أن يجعها تعيد النظر، في الهروب من نفسها. تعيد النظر، في قبول الجدار. في الخنوع للجدار.
في الأرض متسع للحجر والورد. لكنها لا تقبل الجدار، حاجزا بين العطر وبين الضوع وبين اللون.
تقرر الوردة إذا، تسلق الجدار بالصبر عليه، مهما طال الزمن، حتى ينيخ لها ظهره، فتعلوه نجمة تضيء الأرض.
الوردة ضوء وضوع، لرسم المكان. حين يصير المكان في الأسر. أسر الجدار. وأسر من شيدوا الجدار. جدار الفصل. أي جدار فصل.
حين يمنع الجدار الوردة عن الزحل إلى الأقاصي. يؤخر رسالتها في عشق البعيد. ويحجز عليها خطوها للمسير إليه.
الوردة ريح تعبق، بريح الورد. تخلع على العزلة. على العزل، نسيج ضوعها. وتحيل الإنعزال. أي إنعزال. كل إنعزال، طبقا من ورد.
لا جدران، لا أسوار، لا عوازل، لا سواتر، لا حواجز، لا دشم لا بنادق، لا فرق، ولا جزع، من فرق الموت المؤللة، حين يغمر صبية المدن، صبية القرى، في الليل البهيم، أعناق المدافع، يطوعون فولاذها، يحنون فولاذها. ويحشون فوهاتها بالورد.
جدار يطوي جدارا، مثلما الأرض تطوي نفسها، مثلما الورد يمتد حقولا حقولا. مثلما البلاد تتناسل شعوبا شعوبا. مثلما العسكر، ينبع من شقوق القلاع القديمة، ومن الثكن الحديثة، ومن عواصم القرار الهادر في أذن التاريخ بالموت. فإن الورد، يمتد. يمتد. حتى يغمر آخر الأرض.
قدر الجدار، الورد يعلوه. فيعيده إلى صوابه، ويمنعه عن الجنون. قدر الجدار أن يموت تحت الورد. يفتت أنفاسه الجلاميد. يفت عناد الحجر، ويجعله يرين مثل الماء. يصغي لهمس الوريقات الحنون. يهدئ خاطره، ويجعله مثل حصان جامح، يستيقظ فجأة خطوه، ويأمره بالجمود.
الوردة حرون، حين تعلو الجدار. تراه لبنة مشققة. تراه كوى معلقة. تراه، مهما طال الزمن به، عقدا من الورد، يلتف حول عنق وردة، ترويه من ريقة، مطلع كل شمس، وتدعو له بالأفول معها، حتى تبسم الأرض.