” على متن الإبحار”
– الحزء الأول –
نثر أدبي في قصة للكاتبة د. ساندي عبد النور
-×-×-×-×-×
سألَها: جبتُ أصقاعَ البحار و غصتُ في أقاصي المحيطات فأين كنتِ؟
أجابتْ: كنتُ في أعماقِ الوجع أسافرُ على دروبِ المرارة بمفردي … فرفاقي انشغلوا عني بهمومِ الدنيا و ما بقيَ على جهادي رفيق !! حملتني أمي بصلاتِها المتواصلة … رعاني أبي، من خضمِّ كدحه، بدعواته اللامتناهية فسرتُ قُدماً حتى ارتديتُ شيئاً فشيئاً ثوبَ النجاح !!
قال لها: وجهكِ مشرقٌ، مشعٌ يصعبُ على الغائص في عُبابِ أغوارِكِ أن يلتقي بتجاعيدِ قلبكِ و أنا بحّارٌ متمرسٌ ما تركتُ ركناً في إبحاري إلاّ و دنوتُ منه فكيف لم أجدّْك؟ كيف ضاع الوقتُ مني و تاهَ العمرُ عن المضي قُدُماً معكِ في مشوارِ الحياة؟
ردّتْ تعانقُ السماء بعينيها: حزني أتقاسمه مع أبي الخيمةِ الزرقاء لأنّه وحده قادرٌ على تخفيفِ أعبائه عني … فالبشرُ غالباً ما يكونوا منشغلين بهواجسهم و مخاوفهم يحتاجون لصدرٍ يُفرِغون فيه كلَّ مآسيهم و أغلبهم من يتلذذ لمسلسلِ سقطاتِكَ فيشمتُ و يتهلّل!!! لذا ما كنتَ لِترى تجاعيدَ فؤادي و ما كنتَ لتراني أصلاً رغمَ رحلاتِكَ في سفنِ الإبحار لأنّي أنا و حزني واحدٌ!!
نظرَ إليها منذهلاً فرغمَ جمالها الخارجي وجدَ فيها جمالاً أعظم في مكامن روحها المجاهدة ثمَّ قالَ لها: رغمَ العمرِ الضائع لأنّكِ كنتِ غائبة عنه إلّا أنّ إبحاري هذا أثمر لأني عثرتُ عليكِ و اغتنيتُ بأحزانِكِ فقد علَّمَتْني أنَّنا و إن كنَا نبحثُ عن الجوهرِ فقد نبلُغُه و في اللحظةِ نفسِها تسرِقنا أنواتُنا و انشغالاتُنا الدنيوية عن هذا الأخير فنُحيدُ عن المسارِ لنتصافحَ مع القشورِ معتقدين أنّنا التقطّنا المعنى …
كانت تصغي إليه و قلبُها فرِحٌ فقد غابَ عنها منذ زمنٍ الأملَ بلقاءِ رجلٍ بهذا العمق!! لكن كلّما تذكرتْ أنّ تلكَ النماذجَ انقرضتْ في أيامِنا هذه اعتصرَ الألمُ أعماقَها و غادرَ قلبُها فيض هذه السعادة التي باتتْ مستحيلة …
تابعَ حديثَه و ناشدَها: أسألُكِ أن تقبلي بي رفيقاً يتقاسمُكِ _ يا من نعتِّ نفسَكِ بالحزن _ لتتقاسميني بعدها فرحاً يليقُ بتقاوةِ حزنِكِ المقدس …
التزمتْ صمتاً كادَ يكونُ أبدياً!! ثمَّ فاضتْ روحُها: أحزاني أشرفتْ على الانتهاء و مسلسلُ التعاسةِ يَعرِضُ اليومَ حلقتَه الأخيرة!! عرضُكَ جاءَ متأخّراً كما تأخّرَ عثورُكَ على حزني …
( يتبع ….)
الكاتبة د. ساندي عبد النور