مرتفعات روبونغي
تجربة ” كياكيزاكا”46، هي مجموعة ستة وأربعون- keyakizaka يابانية من المطربات الإناث/ الدمى. وهي من إنتاج باسوشي أكيموتو. تم إنشاء المجموعة في في أوغسطس- 2015، لتصبح أول مجموعة شقيقة ل “توجيزاكا-46″، وضمن الإمتياز، لسلسلة ساكيميتش. ويأتي الإسم وبداخله، تلال روبونغي، على zakakayaki.
جديد هذة التجربة في هذا العام، إضاءة أشجار خلال التجربة النهائية، للإحتفال بمهرجان ” كياكزاكا” السنوي الذي يستخدم فيه فقط “700 ألف مصباح”، في مرتفعات روبونغي، بالعاصمة اليابانية.
منظر مدهش حقا، وأنت تنظر إلى هذة التجربة اليابانية الفريدة في العالم، لرؤية أشجار مضاءة ب700ألف مصباح، بحيث تبدو تلال روبونغي، وهي تحتفي بالموسم السنوي، في مهرجان كياكازكا لمجموعة46 من الإناث الدمى، وقد أضاءت المكان، وجعلته، آية في الإبداع والجمال.
تملكتني الدهشة حقا، وأنا أقرأ هذا الخبر( الشرق الأوسط10/11/2021,ص24)، صباح هذا اليوم، والعاصمة بيروت، ست الدنيا، كما قال عنها نزار قباني، كانت غارقة في العتمة. كانت غارقة .في الظلمة. كان يلف شوارعها ومحالها الظلام كانت حقا، شوارعها كلها غارقة في العتمة. كانت فنادقها كلها غارقة في العتمة. كان واحدنا حين يستيقظ ليلا، يحمل هاتفه بيده، ليضيء به دربه بين الحجرات، وداخل الممرات إلى المطبخ والشرفة والحمام.
كنت أطل من النافذة على فندق “……”، المجاور لفندق (….. ) أيضا بجوار البيت، فتصدمني عمارته الشاهقة العظيمة، والعتمة تلفه من جميع الجهات، لولا نافذة غرفة الحارس المضاءة بقنديل كهربائي “مشرج” محمول، يتنقل به بين الزوايا الضخام، ليتم واجب الحراسة، ولو في ظل العتمة والخوف. ولو في ظل سكونه المخيف، لهجرة النازلين فيه، وخلوه في معظم أقسامه من النزلاء، من السكان.
ماذ يطلب الناس في العاصمة بيروت، غير الخدمات. ترك الناس عواصمهم ومدنهم وقراهم، وجاؤوا إلى “ست الدنيا” لتقبيل يديها، فإذا هي ثكلى، خسرت أبناءها. وإذا هي أرملة بلا فارس يحميها. أطفئت أنوارها. ونضب ماؤها، وتكدست النفايات في شوارعها، وأغلقت المتاجر أبوابها. وصارت الصحافة والثقافة، على أرصفتها، وفي زواريبها: لم يعد الموظفون يخرجون إلى مكاتبهم لإنقطاع الكهرباء.
خطة الحكومة اليوم لتفعيل القطاعات، في ظل العتمة المعممة على الناس، ظهرت في رشوتهم، بمبلغ مالي، (65 ألف ليرة)عن كل يوم حضوري، ربما يتجاوز راتبه اليومي. هذة آخر الإبداعات في التحفيز على الحضور إلى الأعمال، ولو بدون أعمال، حفاظا على هيبة الدولة، ولو ظلت البلاد تبكي وتنوح على شمعة واحدة تلعن إثنين على غير عادتها: الظلام والظلام( بالظاء المشددة المضمومة).
سبعمائة الف مصباح، لإنارة الأشجار والدمى، في “مرتفعات روبونغي” بطوكيو. وإضاءة البلاد بعاصفة من نور تضرب الشارع العظيم، بتجربة من (كاياكزاكا)، وصخرة الروشة في بيروت / ست الدنيا، غارقة في العتمة. وساحة البرج غارقة في العتمة. والحصن والخضر وشارع الإستقلال، وشارع الجزائر، وشارع فردان ومونو ومدحت باشا، وقصر سرسق، وشارع غورو، وشارع أللمبي، والبطركية والأشرفية وسن الفيل والضاحية، وشارع الحمرا، وعين المريسة وشارع بلس، وكافة نواحي الجامعة الأميركية، جميعها غارقة في العتمة.بلا شمعة. تلعن الظلام وتلعن في إثرها الظلام.
تلال ومرتفعات وأشجار روبونغي، والشارع العظيم ، و سبعماية ألف مصباح، لإضاءة الأشجار والدمى، تجربة كاياكزكا، في طوكيو، بعد ثلاثة زلازل دمرتها: زلزال نكازاكي و زلزال هوروشيما، و الزلزال الأخير في جزر اليابان جميعا، يضيء “الميكادو” اليوم البلاد، بأعظم عاصفة ضوئية من الكهرباء.
أما لبنان، بلاد الحرف والنور، والثلج والأرز، وشلالات الماء، وشالات النور من السماء، فقد عممت فيه ثقافة الظلام والظلام، من أقصاه إلى أقصاه، حتى لم توفر عاصمته، درة الشرق بيروت. فسطا عليها الجلاوزة. سرقوا منها عقدها اللازوردي على أعظم عنق بحري، من طبرجا، حتى الأوزاعي، و الدامور و الجية والدبية والسعديات. خلعوا عنها ثوب النور، ولفوا جسدها المشع، بخلعة قاتمة سوداء. بعباءة من غيوم سوداء ومن عتمة شاملة، ومن ظلام دامس، لا يعرف الرحمة، ولا يعرف شروط المفاوضة،على حقول النفط، ولا حتى المفاوضة على شروط السلام!
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية
د. قصيّ الحسين