بركان لابالما السياحي
لابالما، المدينة الإسبانية الجميلة، التي تجمع طبيعتها، بين زرقة البحر وبين خضرة الجبال، كانت مقصد السياح من جميع أنحاء العالم، لقرب بحرها من جبلها. وحين أزمع بعض المستثمرين في طرابلس، بإقامة منتجع سياحي، على ساحل المدينة التاريخية الجميلة، التي تعلوها التلال والجبال، جعلوا إسم المنتجع “لابالما”، تيمنا بتلك المدينة الإسبانية الساحرة. فكانت طرابلس وتوأمها هذا المنتجع- لا بالما- مقصد السياح والمستجمين. وكانت فصول السنة كلها في طرابلس، تبدأ عنده، ثم تستعيد نفسها عاما بعد عام.
وتوالت النكبات والأحداث الجسام على لبنان. وصارت جميع منتجعات لبنان أرضا يبابا. أرضا مقفرة. وصار منتجع لابالما حزينا . فلم يعد ير الحركة السياحية، ولا النشاط السياحي. ولم يعد تطأه أقدام السواح ولا أقدام الزوار، ولا أولئك الذين وقعوا في حب الطبيعة وفي عشق البحر.
زلزال كزلزال لابالما الإسبانية، كان قد ضرب لبنان، فأطفأ أنوار منتجعاته. وجعل الناس يهجرونه، كما تهجر الطير وكناتها.
فمنذ 17 تشرين الأول 2019 ، حتى اليوم، ما ذاق لبنان طعم النوم. فهو يمضي ليله ساهرا على نيران أزماته الداخلية. على نيران أزماته الخارجية. وتشتعل الجبال الخضراء بالحرائق. وتلامس القرى والفنادق والمنتجعات. فيهرب النازلون فيها، ويهجرها القادمون إليها. فتراها تندب حظها.
وتتوالى الضربات اللئيمة والأليمة على رأس لبنان: من إنفجار المرفأ في الرابع من آب-2020، الذي هدم نصف العاصمة، وضرب مدارسها وجامعاتها ومستشفياتها، وأهلك الناس وهدد الأسواق، وفرق الأهل شعابا شعابا، إلى أحداث أخرى هنا وهناك، وليس آخرها أحداث الطيونة، التي أطلقت النار إنتحارا على نفسها. وليس آخرها أحداث عين الرمانة، والتليل ووادي خالد ووادي الجاموس والضنية والأسواق الداخلية بطرابلس، وفي منطقة التل نفسها. التي تتردى، تحت أعين أهلها.
تكاثرت الأزمات والأحداث المتصلة بها على لبنان. فمشاهد طوابير البنزين، ومشاهد طوابير المستشفيات والصيدليات والأفران، عمت لبنان، من أقصاه إلى أقصاه، حتى صارت البلاد كلها تهدر، بل تغلي، بل تفور منها حممها ونيرانها، مثل بركان لابالما الإسبانية.
لم يعد ينقص لبنان بعد، غير مشهد (….) . لم يعد ينقص لبنان، بعد إطفاء أنوار البريستول وLBC، بالإضافة إلى قلب العاصمة وأسواقها، ورحيل المجلس النيابي، إلى الأونيسكو، وإعلاء الأسيجة والجدران، حول الوزارات والرئاسات والقصور والمباني، سوى إعلان لبنان بلدا مغلقا محروقا. سوى إعلان لبنان بركانا مشتعلا، تشتد فيه النار، و يشتد فيه أواره من حين إلى حين.
في كل بلاد العالم، يهب الناس، لإخماد البراكين حين إشتعالها. إلا في لبنان، فتنقلب الآية، وتسرع الجوارح لرمي الخشب و الحطب فوقها، إمعانا في إزدياد إشتعالها.
لبنان صار مرسحا للنيران. (….. ) .
بركان “لابالما” بإسبانية، ليس أعظم مصيبة من بركان لبنان. ترى ناسه وقد عملوا على تحويله، إلى مزار سياحي، فلماذا لا يكون لبنان مزارا سياحيا للنيران المشتعلة، قبل إنطفائها.