… بنقل موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي عن صحيفة ” الأمة ” / العدد 510- تصدر في القاهرة / دراسة بحثية قيّمة نشرتها الكاتبة د. زينة جرادي حول موضوع ” الغزل عبر العصور ” حيث تجول في عصور عديدة وكيف كان الشعراء يتناولون الغزل وحتى عصرنا الحالي .
هنا نص الدراسة :
………………………………………………………
دراسة / ثقافية/
بقلم / الدكتورة زينة جرادي .
تنوعت الأنماط وتكدست العصور فكان لكل منها منهجيته الخاصة بالتعبير عن الانفعالات العاطفية .
الغزل في قصائد الشعراء …خصوصية فيها المشهدية والخطر !
إن الغزل في قصائد الشعر نوع من المغناة الوجدانية وهو من أرقى وأكثر الفنون الشعرية صعوبة لأن هذا النمط من الشعر ذو نوعين :
الأول: الغزل العذري والذي يتشعب من روافده العفة والبداوة
الثاني : الغزل الحضري أو الصريح المفعم بالجرأة .
[ الدراسات العاطفية :
تعتبر هذة النمطية من الفنون في الأدب الشعري فنا غنائيا لأنه يعبر عن مشاعر الإنسان وعن أحاسيسه وما تعكسه مثل هذة الإنفعالات في النفس من مشاعر جياشة كما أثبتت الدراسات المتخصصة في هذا النمط من الآداب بأن القصيدة الغزلية النابعة من تجربة ناظمها الشخصية هي الأكثر صدقًا ووجداناً لأن ناظمها يستمد معانيها ومشهدياتها من نبع عواطفه الصادقة متأثرًا برحابة الخيال عنده ومدى علاقته بحبيبته روحانياً ناقلاً صورًا صادقة عن بيئته وثقافته في مشهديات قصائده .
[ الغزل عبر العصور .
شهد الغزل تطورًا كبيرًا في العصور وكان لكل عصر خصوصيته في نمطية هذا الشعر كما ظهر العديد من المدارس الغزلية في الشعر عبر العصور .
العصر الجاهلي :
يكاد يكون هذا العصر هو من أكثر العصور تبلوراً للغزل وعرف بالعصر الذهبي غزلياً فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائد ذاك العصر من صورة غزلية . تميز الغزل في هذا العصر بخصوصية الوصف المقتصرة فقط على جمال ومفاتن المرأة للشكل الخارجي بدون تعبير الشعراء عن انفعالاتهم ومشاعرهم حيال هذة النمطية من الشعر بل كبتوا مشاعرهم في الخفاء .
مضى الشعر الغزلي في اتجاهين :
الأول:غزل فاحش تزعمه الشاعر امرؤ القيس وظهرت معالمه في معلقاته ومغامراته الليلية مع النساء ومن أشهر أقواله:
سموت إليها بعدما نام أهلها
سمو حباب المال حالًا على حال فقالت سباك الله إنك فاضحي
ألست ترى السمار والناس أحوال فقلت يمين الله أبرح قاعداً
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي .
الثاني: هو الحس العفيف الذي انتشر لاحقاً في العصر الأموي وكانت نواته مستمدة من العصر الجاهلي ومن أبرز شعرائه :
عنتر بن شداد
عروة بن حزام
عفراء .
بعد ترحال الشعراء في ذاك العصر صاروا يقفون على الأطلال في غزل معشوقاتهم وصارت مقدمة القصيدة الجاهلية لا تخلة من الطللية .
الغزل في الإسلام :
عرف الغزل في العصر الإسلامي صفة التهذيب لأن الشعراء هذبوا المشهدية العاطفية في قصائدهم وكفنوا أشعارهم بالعفة إنما ظلت طائفة منهم تعاقر الخمر في قصائدها وتتغزل بالمرأة بأسلوب فاحش مثل الشاعر أبي محجن الثقفي لكن الغالبية من شعراء ذاك العصر تماشت قصائدهم مع أسس الدين الإسلامي ومبادئه مثل قصائد كعب بن زهير خصوصاً عندما مدح الرسول الأكرم بقصيدة جاء في مطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول
متيم اثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين اذ رحلوا
الا اغنى غضيض الطرف مكحول .
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكي قصر منها ولا طول .
الغزل في العصر الأموي:
شهدت قصيدة الغزل في هذا العصر ازدهاراً لامعًا لأسباب عديدة مثل : التسامح الديني
الهدوء والاستقرار الأمني
كما كان للغزل في الشعر أيامهاثلاث اتجاهات شكلت مدارس شعرية منها :
الغزل البدوي :
غزل عفيف عذري فيه مشاعر صادقة ونبيلة وكان مقتصراً على حبيبة واحدة في حياة الشاعر . سمي هذا النوع من الغزل عذرياً نسبة إلى قبيلة (عذرة ) خصوصا بعد انتشاره في بادية الشام ومن رواده :
كثير عزة
قيس بن الملوح
وذو الرمة
قيس لبنى
جميل بن المعمر .
الغزل الحضري :
عرف بالحضري لأن انتشاره في حواضر الشام ومن أبرز رواده : عمر بن أبي ربيعة وكان الشاعر لا يكتفي بحبيبة واحدة والدليل هذا القول من إحدى قصائد أبي ربيعة :
سلام عليها ما أحبت سلامنا
فإن كرهته فالسلام على أخرى.
الغزل التقليدي :
عرف هذا النوع من الغزل بوقوف الشاعر على الأطلال وهو تقليدي لأنه فيه شيئًا من تقليد الشعراء في الجاهلية ومن أبرز رواده :
جرير والفرزدق .
الغزل في العصر العباسي .
شهد هذا العصر نهضة ثقافية جامحة وعلمية أيضاً في شتى مجالات العلوم والشعر والأدب، لكن الغزل العذري في هذا العصر خفت أنواره لتسطع أنوار الشعر الفاحش كما ظهر نوعا من الغزل عرف بالغزل الغلماني الأكثر انحطاطاً لأنه نم عن ألفاظ غير لائقة لكن شعراء هذا العصر حصلوا حالة من التليين باللغة والابتعاد عن الألفاظ الغريبة ومن رواده :
بشار بن برد
أبو فراس الحمداني
أبو تمام
عباس بن الاحنف .
من أقوال أبو تمام في الغزل :
نقل فؤادك حيث ما شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل .
الغزل في العصر الاندلسي :
ظهور الموشحات في هذا العصر و انتشارها جعل الشعراء يتبعون نهج المشرقيين في قصائدهم فعرفوا الغزل التقليدي والوقوف على الأطلال والغزل الفاحش والعفيف كما شهدت ساحة الشعر في هذا العصر إقبالا من الشاعرات على التغزل بالرجل مثل : حمدونة بنت زياد و نزهون . إنتشر الشعر الغلماني في هذا العصر وشهدت القصية حالة من الانحطاط اللفظي من الشعراء الرواد في ذاك العصر : إبن خفاجة
وإبن زيدون .
العصر الحديث والغزل :
هو عصر التغير بسبب ازدياد العواطف والوجدانيات في المشهد الغزلي مما جعل القصيدة الغزلية على جانب عال من الصور الجدية نمطيا والغير مألوفة كما ابتعد الشعر الحديث عن إيراد الغريب من الألفاظ فكان لهذا النوع من الشعر الغزلي النصيب الأكبر من الدواوين خصوصا بعد احتجاب انماط شعرية كثيرة مثل : الهجاء والفخر والمدح والوقوف على الأطلال وإبادة الشعر الغلماني . من رواد هذا الشعر :
نزار قباني
سعيد عقل
إبراهيم ناجي
علي محمود طه
اسماعيل صبري وغيرهم كثر .