” صفوف الإنتظار “
كل شيء مؤجل اليوم في لبنان. من تأجيل العام الدراسي، حتى تأجيل العمل الحكومي.
من تأجيل إستدرار الطاقة، حتى تأجيل التحقيق، في كل جريمة وقعت، وفي كل شجار حصل، وفي كل واقعة نزلت مصيبة على الناس، فيها خروج على القانون.
صارت أزمة الدواء وراء ظهور اللبنانيين. صارت أزمة التعيينات، في مراكز الشغور، وراء الظهور.
كل حاجات اللبنانيين وضعت على الرفوف. لم تعد تستأهل النظر. لم تعد الحاجة ماسة، لا للأوكسجين. ولا للأجهزة الطبية، ولا لتصريف المواسم، ولا لقطاف التفاح، ولا لمشق الزيتون.
لم يعد حليب الأطفال أولوية. ولا أدوية الأمراض المستعصية أولوية.
لم تعد أزمة النقل أولوية. ولا أزمة الحرائق المفتعلة. صارت كل الحرائق من نوع مفرقعات الصبية، لا من صنع شبكات التخريب ولا من صنع العملاء ورجال الموساد، الذين يسرحون في البلاد. ولا من صنع الأعداء.
لم تعد أزمة الغاز المنزلي أولوية، صار بالإمكان الإستعانة بخشب الأرز و الصنوبر والصندل واللزاب والسنديان.
صار بالإمكان العودة إلى فرن الحطب. وموقدة الحطب وكانون الحطب، والشاي على الحطب. والقهوة على الحطب.
كل الأزمات مؤجلة اليوم في لبنان، حتى ولو تعلق الأمر بإنقطاع مياه الشفة عن الناس. حفر الطرقات مؤجلة. أبواب الجامعات مؤجلة. الترسيم الحدودي مؤجل. الترسيم البحري مع العدو مؤجل. خدمات المستشفيات الحكومية مؤجلة. صناديق الإستشفاء، تعديل الأجور، صناديق الدولة كلها مؤجلة. إلا شلل الوزراء الجدد فهي مستعجلة. إلا تعيينات الحكومة الجديدة، فهي مستعجلة. إلا تعينات المحاسيب والأزلام، والأخوة والأخوات وأبناء العمومة والخؤولة، فهي – من الآخر- مستعجلة.
الحكومة اليوم في شغل شاغل عن هموم الناس. عن حاجاتهم. الدولة كلها اليوم، في شغل شاغل عن حاجات الناس، عن همومهم اليومية، في تأمين العشاء لأولادهم. وفي تأمين الأقساط المدرسية. وفي تأمين القلم والدفتر والحاسوب و الكتاب. وفي تأمين النقل. في تأمين مازوت وبنزين الأوتوكار. في تأمين الوصول إلى المدارس. في تأمين وصول الناس
إلى أعمالهم.
أهل السلطة في لبنان، ومعهم الطامحون، صاروا جميعا، مثل إمرأة التاجر، كلهم طموح.عينهم طامحة اليوم على الإنتخابات.
“الناس بالناس والقطة بالنفاس”. إنتظرنا ثلاثة عشر شهرا لتشكيل حكومة، فإذا هي حكومة للإنتخابات.
ضربت بظهرها عرض الحائط، كل ما ينتظره الناس منها. “حملوها وهنا على وهن”، طيلة ذلك الوقت المرير. ولما تمت ولادتها بالسلامة على سرير التفاهم الفرنسي- الإيراني، أدارت ظهرها للبنانيين. وصار أقصى همها، إدارة الإنتخابات بعد أشهر لنفسها.
صفوف الإنتظار الطويل أمام الأبواب المغلقة، صارت عادة لبنانية بإمتياز. تمكنت من نفوسهم. إعتادوا “صبر أيوب” على جميع الحكومات. على جميع الإدارات. على جميع الوزارات. على جميع المجالس والأجهزة. على جميع الأبواب.
جميعها تبشر اللبنانيين بالموت البطيء في صفوف الإنتظار.
صفوف محطات الوقود. صفوف المستشفيات. صفوف الصيدليات. صفوف الأفران والمدارس، ومحطات النقل، كلها تعود الناس الإنتظار لصفوف الإنتخابات.
صفوف الإنتظار في لبنان طويلة هذة الأيام، حتى صدور البطاقة التمويلية لبطاقة الإنتخابات.