الفنانون العشرة
جماعة الفنانين العشرة، نشأت في طرابلس، في السبعينيات من القرن الماضي.
فوسط الحرب الأهلية التي كانت تلف لبنان، وإبان إنطلاقة حركة المقاومة الوطنية اللبنانية الفلسطينية في الجنوب اللبناني، كنا نشهد في شمال لبنان، ظهور حركة نهوض فني، للفن التشكيلي، غير مسبوقة.
ثلة من الشباب الفارغ، إلتفوا حول شجرة الفن التشكيلي ، وراحوا يبدعون زمنهم في طرابلس، بشمال لبنان.
كانت المعارك تقوى وتشتد، في غير مكان من لبنان، زمن الحرب الأهلية، وخصوصا في الجنوب، وكان شباب مجموعة الفنانين العشرة، ينصرفون للرسم والنحت والتشكيل لإقامة المعارض، خصوصا في صالات وردهات مبنى الرابطة الثقافية بطرابلس.
جعل جماعة الفنانين العشرة، من الفن التشكيلي، بمدارسه المتنوعة، هوية لهم. ولم يذهبوا للتعبير عن الصراع الدائر في البلاد. فما كانوا يعبرون عن مواقف سياسية. وما كانوا يعلنون في أعمالهم الفنية عن عقائد حزبية. كانوا بحق، مجموعة من الشباب الفارغ الذي لم ينضو تحت أية هوية سياسية، ولا تحت أيو راية حزبية، رغم أن مدينة طرابلس، كانت تعيش ويلات الحرب الأهلية. يهجر نصف سكانها، ويقتل أكثر من نصف سكانها في ليالي الحرب. مجموعة الفنانين العشرة بطرابلس، كانوا من أبناء طرابلس. وما عرف عن واحد منهم، أنه من خارج المدينة، رغم توسط طرابلس الشمال اللبناني كله، ورغم أنها كانت عاصمته، بل “العاصمة الثانية” للبنان بعد بيروت، وهذا سر تخريبها المتعمد، طيلة عهود الإستقلال.
كان الفنانون العشرة من أبناء طرابلس دون غيرها، من المدن والقصبات والقرى والريف الذي يحيط بها.
ولأن ظهور هذة الجماعة الفنية، أتى في ظل نكبة طرابلس بالحرب الأهلية، فقد كان الفنانون العشرة جميعهم من ملة واحدة، رغم التعدد والتنوع الملي والإثني والعرقي، الذي تعرفه طرابلس.
وعلى الرغم من ذيوع لقبهم الذي تلقبوا به، بالفنانين العشرة، فقد كانوا مثل جماعة أصحاب المعلقات: مرة ستة ومرة سبعة ومرة ثمانية ومرة تسعة ومرة عشرة.
ذلك أن مجموعة العشرة، صارت إسما لهم، ولم تكن تعبر في الواقع عن عددهم الذي عرفوه، لأنهم لم يشكلوا لهم رابطة، ولم تدون أسماؤهم في سجلات، تحفظ عددهم بدقة. ولذلك صاروا مثل جماعة أصحاب المعلقات، يقل عددهم ويكثر، بحسب روايات الآخرين ، لا بحسبهم هم في أنفسهم.
كانوا يعرضون أعمالهم الفنية التشكيلية المتنوعة في معارض وكاليريهات في لبنان والخارج، تحت عنوان: “الفنانون العشرة”، وما كان هناك عروض إلا لبعض الأسماء منهم. إلا لقلة منهم.
لم يفت ذلك الأمر شيئا فيهم، بل ظلوا يثابرون على الإستمرار والتعاضد في العروض، تحت عنوان: ” الفنانون العشرة”، حتى تأسيس الفروع الجامعية، لكليات ومعاهد الجامعة اللبنانية، بطرابلس في الشمال.
سرعان ما إنتبذ كل واحد منهم لنفسه، يريد أن يكون مدرسا في معهد العمارة والفنون الجميلة.
كان أصحاب مجموعة الفنانين العشرة، لا يصدرون عن مشرب سياسي. ولا يصدرون عن مشرب ملي أو عرقي أو إثني. ماكانوا متعصبين إلا للفن. الفن التشكيلي على وجه مخصوص. ولذلك عرفوا التنوع الثقافي، وحافظوا عليه، دون أن يستظلوا حزبا أو طائفة، ودون أن يكون لأي حزب أو طائفة أي تأثير عليهم.
تكوكب الفنانون العشرة حول أنفسهم طيلة حرب السنتين، ثم إفرنقعوا بعد إنتهاء الحرب. ثم كان لتأسيس معهد الفنون في الشمال، التأثير الأقوى، لإنفراط عقدهم، وأفول شمس الجماعة عنهم، والتأسيس على الشخصية الفردية الفنية، بدل الشخصية الجماعية الفنية.
وسرعان ما دخل جماعة العشرة، في تنافس شخصي. فحقق كل واحد منهم، أحلامه الفنية. وصار يراكمها يوما. بعد يوم.
وإذا كان شعراء الجنوب، قد عرفوا الإلتزام، أقله باليسار العالمي، فإن جماعة الفنانين العشرة، ما عرفوا الإلتزام السياسي، ولا العقائدي، بل راح كل منهم يستظل المدرسة الفنية التي أعجبته، فيخلص لها بلا هوى سياسي.
هدأت جبهة الجنوب، فإنفرط عقد شعراء الجنوب. وهدأت حرب السنتين، فإنفرط عقد جماعة العشرة بطرابلس.
صار الشعراء كما الفنانون بعد الحرب، أسرى التنافس الشخصي، بدل التكوكب والتوحد حول العمل الوطني.