جماعة شعراء الجنوب
كانت الحركة الوطنية اللبنانية ومعها المقاومة الفلسطينية، جاذبة لشعراء الجنوب في لبنان. فإلتحقوا بها. وعبروا عن مواقفها. كانت دواوينهم وأشعارهم صدى طيبا للمقاومة الوطنية الفلسطينية على أرض الجنوب.
تعود جذور جماعة شعراء الجنوب، إلى كلية التربية في الجامعة اللبنانية. فبين جدرانها، كانت المؤتمرات الطالبية. وكانت المظاهرات الطالبية. وبين جدرانها أيضا، كانت الأشعار الطالبية.
كانت الحركة الطالبية، في كلية التربية، تقود الحركة الطالبية في كل لبنان. كانت هذة الحركة الطالبية، الوجه الطفل، للحركة الوطنية اللبنانية المتلاحمة مع حركة المقاومة الفلسطينية.
كان اليسار اللبناني، قد جعل الطلاب في مقدمة نزوله إلى الشارع، لتأسيس المعارضة الجريئة، تعضد المعارضة الخجولة في البرلمان اللبناني.
كانت الحركة الطالبية في كلية التربية، تخض بقوة الشارع اللبناني. تتفاعل مع القضايا المطلبية للناس، من النهر الكبير الجنوبي، حتى رأس الناقورة.
كان الجنوب اللبناني جاذبا لجميع الأنشطة المعارضة. بدرت منه ثلة من شبابه الجامعي المتقد في كلية التربية، وفي غيرها من الأروقة الأكادمية، تكوكبت حول الجنوب المقاوم، وعبرت عما يعانيه الشعب يوميا، من الإقطاع والأعداء على حد سواء.
أقول، كان الجنوب اللبناني، جاذبا على وجه مخصوص للشباب الجامعي المتقد. وكانت كلية التربية المركز الذي يؤوب إليه جميع الشباب الجامعي المتقد.
كانت كلية التربية، تجسد حقا تطلعات اليسارالجامعي، المتحالف مع النضال الفلسطيني. كان اليسار الجامعي، يبتهج للنضال اللبناني الفلسطيني المشترك، في الوقت الذي كان اليمين اللبناني يعبس في وجهه.
شكلت كلية التربية جبهة المعارضة السياسية الجريئة، تحدو أمام جبهة المعارضة اللبنانية الخجولة.
في ظلال اليسار المعارض، داخل كلية التربية وخارجها، تبلورت مجموعة شعراء الجنوب الواعدة.
أسسوا باكرا، لفكرة الشعر الجنوبي المقاوم، وإندرجوا فيه، وإندمجوا، حتى حدود التماهي مع المقاومة الوطنية اللبنانية الفلسطينية.
شكلوا ساقا صلبة عنيدة مخلصة، ملتفة على ساق الشعر الفلسطيني المقاوم.
وجد هؤلاء الشعراء من جيل الشباب المتقد والمتحمس، ضالتهم في الشعرالمقاوم. وكذلك في الشعراء المقاومين، وفي سيرة كل مقاوم من الشعراء الفلسطينيين والأممين على حد سواء.
كانت كلية التربية نبعة الشعر الجنوبي المقاوم.
وكان شعراء الجنوب يعظمون كل يوم. ويعظمون أيضا يوما بعد يوم. كان يسجلون وقائع الحياة اليومية للمقاومة على أرض الجنوب. ولهذا تكوكبت هذة المجموعة من شعراء الجنوب حول نفسها، وحول عقيدتها النضالية المخلصة، وحول عقيدتها المقاومة والمعارضة، في ملعب اليسار المقاوم. كان اليسار المقاوم، هو الحديقة الخلفية لهم جميعا.
لذلك كنا نراهم ينسجون العلاقات، مع الشعراء المقاومين أينما كانوا، من جبهة اليسار العالمي. يقرأون دواوينهم بشغف وحب، ويزورون بلدانهم، ويقدمون أشعار الصمود اللبناني، وأشعار الرفض، وأشعار النضال، على منابرهم. فتقسو تجربتهم شيئا فشيئا. فتتبلور في نفوسهم، وتذوب في قلوبهم، ثم سرعان ما تتفتح في دواوينهم وأشعارهم، فتفتن وتفتتن، بما أتت به، من منابت المقاومة العالمية، ومن نهجها في التعبير عن الرفض وعن المعارضة وعن المقاومة. وكذلك عن الثبات والصمود.
ومع أفول حركة المقاومة اللبنانية الوطنية و الفلسطينية، دخل شعراء الجنوب، في برزخ صعب الإجتياز، بعدة المقاومة الآفلة. كان الأفول القاسي عن أرض الجنوب، يفرض عليهم معادلة جديدة. فإنفرط عقد المجموعة، وصار كل شاعر منهم، يؤلف فضاءه الخاص. يحلق فيه. صار لكل شاعر منهم خصوصيته الشعرية. ولذلك غابت روح الجماعة الجامعة لجماعة شعراء الجنوب، التي كانوا قد درجوا على مدارجها، طيلة ربع قرن.
عاد الشاعر منهم، يسهر على خصوصيته الشعرية. أخلى المقاومة. حين وجد أن المقاومة الوطنية، قد رحلت عن أرض الجنوب. ونحا منحى المعارضة الوطنية. إنزاح إليها بثبات شعري. يكتب سجله الشعري، نفسه بنفسه، تماما كما كان يفعل شعراء المعلقات.