التاريخ: 05/10/2021
المقال رقم: 43/2021
نــول القصــة الفلسطينيــة
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
إغزلي يا حلوة وفرجيني غزلتك، لولا غزلك ما كان النّول جنّ….(من خربشاتي)
“الطريق إلى الماضي”، هو الكتيّب الناعم الجميل الذي كنت أقرأ فيه. إنه عبارة عن مجموعة قصصية صغيرة حيث تم إصداره وفق “جائزة نجاتي صدقي للمبدعين الشباب للعام 2015″، من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية وبمناسبة “اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية” حيث كانت تضم لجنة التحكيم كل من د. عادل الأسطة، د. وداد البرغوثي، د. نادي ساري الديك.
باعتقادي، إن هكذا مشاريع ثقافية تقوم بها وزارة الثقافة تهدف إلى تحفيز المبدعين وتكريس الثقافة في المجتمع الفلسطيني وهذا أمر مهم للغاية ويجب دعمه لضمان ديمومته.
يقول د. عادل الأسطة في مقدمة الكتيّب ما يلي:
“هذه القصص هي القصص الفائزة بجائزة نجاتي صدقي للقصة القصيرة للعام 2015 وهي قصص تعالج موضوعات وطنية وإجتماعية وإنسانية، وتمتاز بجماليات فنية أهلتها للفوز عن جدارة. إنها تفصح عما يشغل بال الجيل الجديد من كتّاب القصة، وتظهر قدراته الفنية الواعدة، بما يجعلها جديرة بحمل اسم “القصص الفائزة بجائزة نجاتي صدقي أبرز أعلام القصة القصيرة الفلسطينية قبل العام 1948، وبعده، وهي من ناحية ثانية مشغولة بالهموم التي كانت تشغل باله وبال من تلاه من كتّاب القصة القصيرة الفلسطينية”.
من جهة أخرى، نقرأ كلمة الناشر وهي “وزارة الثقافة الفلسطينية”، فيها مباشرة بالأهداف فالكلمة تنص كالتالي:
“تؤمن وزارة الثقافة بحرية الرأي والتعبير، وتؤمن أن دورها الثقافي يقوم على حرية الرأي وديمقراطية الثقافة وإيجاد المناخ المناسب لتنوع أشكال الإبداع الأدبي المؤسس على قاعدة إحياء الموروث وتطويره، وتشجيع الجديد وتوسيع نطاقه، وتحفيز التوجه القيمي والمعرفي التنويري. كما تدعم الوزارة إحياء كل العناصر المضيئة في تراثنا، وترعى الحداثة والتجديد المتكئة على الموروث الإبداعي الذي أضاءت فعله ثقافتنا العربية والإسلامية؛ التي تقوم على أساس الجمع بين الأصالة والحداثة، والتواصل المعرفي المنفتتحة على الثقافة العالمية المبنية على الحق والعدل والمساواة. وعليه، فإن الوزارة تبحث عن معارف وإبداعات جديدة، وتعمل على ترويجها عربيًا وعالميًا. لذلك فإن منشورات الوزارة تأتي تجسيدًا لهذه الرؤية المعرفية التنويرية، وتستهدف جميع المواطنين دون تمييز في إطار التعددية الفكرية، من منطلق الحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية للشعب الفلسطيني”.
بعد قراءة كلمة وزارة الثقافة الفلسطينية، الناشر للكتيّب، أجد أن ما كنت أتطرق إليه من حيث التحفيز والأهداف الوطنية والتنموية الإجتماعية السامية قد تم الإشارة إليه حرفيًا في النص. وهذا أمر مشرّف، يجعلنا نطالب كفلسطينيين من طبقات فاعلة اجتماعيًا وتنمويًا، ثقافيًا واقتصاديًا وما إلى هنالك من مجالات، بضرورة دعم وزارة الثقافة الفلسطينية ماديًا كذلك من أجل تقويتها وتحفيزها لإقامة مشاريع تنموية لمجتمعنا الفلسطيني المظلوم. ومما لا شك فيه، أن مجتمعنا مليء بالطاقات والإبداعات من كافة الأجناس والأعمار والإنتماءات وبالتالي، يجب استثمار تلك الطاقات وتطويعها للخدمة المجتمعية والوطنية.
رجوعًا إلى الكتيّب الجميل كالطيف العليل والمسؤول في آن، فهو يحتوي كما أشرت سابقًا على مجموعة من القصص الصغيرة . أول قصة تحمل عنوان “العصافير لم تخلع أثوابها بعد…” بقلم نسب أديب حسين.
تكتب نسب بطريقتها عن المعوقات والمشاكل التي يعانيها الفلسطيني في ظل الإحتلال فمثلًا تقول: “يقترب من مسرب الحاجز، تظهر كاميرات في كل مكان…الجنود منشغلون في فحص السيارات التي تود دخول القدس، لهذا لا أحد منهم يتحرش بطريقه في العبور صور الرام أو رام الله…”
القصة الثانية تحمل عنوان “مفتاح الماضي” لكاتبتها آلاء واصف كردية حيث كلماتها أخذتني إلى عالم الموسيقى الرفيعة والتاريخ المشرق، فقد ذكرت النغم الأندلسي بشكل يجعلك ترقص وأنت جالس…تتراقص روحك مع حروفها التي وصلتني، فقالت:”بدأ الحزن يعود بخطواته إلى الوراء واستبدلته الغرفة بالفرح والأمل من جديد. تسللت من الخارج موسيقى أندلسية أخذت نغماتها تتأرجح في زوايا الغرفة، زينت ما فيها بتفاصيل جميلة، موسيقى من إبداع عمر خيرت أذهلت تاليا ومنحتها أملًا جديدًا…”
ما أجمل هذه الكلمات فقد شعرت أنها تصفني عندما أهرب من مقلقات الحياة فأجدني أمام أنغام تعيد إنعاشي حتى تبهرني بصلابتي التي لم أكن أنتظرها أو أتوقعها…فأنا عاشقة روحانيات الأندلس الإيجابية بفنونها وعمرانها وقنديلها الشاعل…لا شك، بأن الموسيقى والعمق الروحاني يعيد إحياء الإنسان، لكن هل كل إنسان قادر على أن تصله هذه الروحانيات؟؟ إنّ هذا الأمر يتطلب جهدًا فرديًا ومجتمعيًا ونعود إلى دائرة التفكّر بمشاريع تنموية تُعنى بصناعة الإنسان….
أما القصة التالية فتحمل عنوان ” الطريق الوعر” لكاتبتها منار برهم، فتقول: “هي اللي دايمًا رافعة راسها بوجه الشمس، بتستند على عكازة أبوها…!”
بصراحة، أنا سرحت إلى البعيييد عندما قرأت هذه الكلمات وأشعلت في قلبي نارًا باكية…جعلتني أقرأ ما بين السطور وأذهب بفكري نحو المتشابهات في مجتمعنا الفلسطيني، فلدينا حرقة داخلية أليمة تظهر في كتاباتنا وأعمالنا وحياتنا دون أن ندري، إنها النكبة. وما لفتني أيضا في تلك القصة، ذكر الزيتونة التي لطالما اشتهرنا بها، رمزنا، فقالت الكاتبة: “زيتونة، ستّي سمّتني زيتونة”.
بهذه الكلمات والإشارات التي دلّت عليها الكاتبة، أشعر أنني أريد أن أكبل كفاي وأضعهما على فمي لكي لا أتكلم بتاتًا. فأنا أريد، الصمت…
جراحنا كشعب فاقت مظلوميته جراحات سيدنا يوسف عليه السلام، ها هي ظاهرة كوضوح الشمس في عز إشراقها ووهجها…كلما تأملت وولجت داخل نواة مواردنا البشرية، أكتشف الطاقات والخامات البراقة لهذا الشعب وأجدني أشعر بالقهر أكثر…ألتمس مدى التحدي المبدع الشامخ لدينا والذي تغلفه الأحزان…شعبنا بأمسّ الحاجة للدّعم، بل شعبنا الفلسطيني النّوعي، لا يجب أن يتم تركه للرياح العاتية…علينا بالمطالبة بدعم كافة المؤسسات الشفافة التي بدورها تساهم في نهوضنا المجتمعي.
العنوان الأخير للكتيّب، المجموعة القصصيّة الصغيرة، هو “عائدة” لكاتبتها تهاني فتحي سوالمة. عناوين القصص والجمل فيها تستمر بتذكير الجميع بال”قضية”، فأجيالنا السابقة والحالية والآتية لا ولن تنسى “النكبة” ولن تقفل باب المطالبة بحقوقها وبرغم أحزانها العميقة. نحن نقفز فوق كل الأحزان تمامًا كقفزات الخيول فوق الحواجز لتخطّيها…لكن، يلزمنا الدعم وليس التشويه بنا لإضعافنا أكثر وتذويبنا فمحونا.
عنوان القصة الأخيرة “عائدة”، أعادني إلى طفولتي عندما كتبت نصًا بعنوان “عايدة”! وهذا دليل آخر على إثبات وحدتنا في حمل الألم الأكبر ومحاولة تحدّيه. فكلنا لديه لسان واحدٌ واحدٌ واحد…
كتبت في طفولتي:”إبنتي إسمها عايدة لأنها إلى فلسطين عائدة. فيا ابنتي يا عايدة يا حياتي الآتية، إركعي وصلّي وامشي حافية..في أرضي يا ابنتي… وهكذا”… أما تهاني فكتبت في قصتها الصغيرة حوارًا تقول فيه: “- يمّا. – نعم يمّا! – ليش هيك الحزن أكلنا؟”
كلماتها أيضًا تعبّر عن مكنوناتنا جميعًا….هذه هي قصتنا مع النكبة وهذا هو نبضنا الواحد الذي أرادوه مقسّمًا. لكن، علينا أن نقاوم كل أنواع تقسيمنا.
حكايتي اليوم، عن ما وراء وما قبل وما بعد قصتنا، عن أهمية دعم طاقاتنا ومؤسساتنا لتقوية مجتمعنا بالشكل الوطني الشفاف، عن التنمية الإجتماعية عبر تحفيز المهارات وتوظيفها في المكان الصحيح، عن عنصر مهم جدًا من عناصر الموارد، الإنسان الذي حاك ولا زال يحيك “نول القصة الفلسطينية” وهو أصل كل الحكايات…