شعراء لبنان
ما إستطاعت ثورة أن تنتصر في لبنان، وأن تنتصر له، منذ عصر النهضة حتى اليوم، إلا ثورة الشعراء اللبنانيين.
الشعراء اللبنانيون إنتصروا للبنان، في جميع ما قالوه من شعر حر، ومن شعر منظوم، ومن شعر عامي أبيض، مشتق من لغتهم اللبنانية البيضاء .
كذلك توجوا مسيرتهم الشعرية، بالإنتصار، في جميع ما طرحوه من مسائل لغوية وأدبية ووطنية وطبقية، فكانوا بذلك أساتذة المدارس الشعرية في لبنان والوطن العربي.
شعراء لبنان، إفتتنوا بلبنان. جعلوا لبنان همهم الأول والأخير. ما هادنوا ولا ساوموا المحتلين. ولم يعرف عن شاعر منهم، أنه كان يساوم على وطنه، أو يهادن من يطمع به. أو أنه كان يقف إلى جانب الغزاة والمحتلين.
شعراء لبنان، كانوا أوفياء لوطنهم. كانوا يشعرون، أنه هو الذي ألهمهم الشعر. وأن طبيعته الخلابة، هي التي كانت تقصب الشعر في نفوسهم، على صورة صخورها، منحوتات من جمال. وعلى صورة وديانها، البعيدة الأعماق. وعلى صورة قننه وجباله، وجلوله وكرومه، التي كانت تنحت في الشعر، مساكب من فتنة وشوق وعشق.
لم يكن حب شعراء لبنان لوطنهم، هو من نبعة الوطنية وحسب، وإنما كان من نبعة السحر به و الإفتتان. ولهذا كان الشعر اللبناني، جذره في الأرض، وأما نظره، فكان يسمو فوقها إلى السماء.
تعلق شعراء لبنان بأرضهم. بوطنهم. بهويتهم. بقراهم بأسرهم بعائلاتهم، وبمدنهم.. وكانوا يرون في أرزه، رمز عزة وعنفوان، قبل أن تحل الأرزة في علمهم، الذي توحدوا عليه منذ تأسيس الكيان.
إنفتح الشعراء اللبنانيون، منذ عصر النهضة، على قضايا وطنهم المقلقة. وععلى قضاياهم القومية والإنسانية والإجتماعية.
طمع الطامعون به، فوقفوا صفا مرصوصا في وجههم. ينددون بهم وبسياسة بلادهم التي جاؤوا منها. فما وهنوا ولا تخاذلوا. ولا نالت منهم فرقة. ولا ضعفت نفوسهم أمام المغريات.
وحين إشتد الظلم عليهم ووقع لبنان تحت وطأة الحروب، غادروه إلى المهاجر، حاملين لبنان في أفئدتهم، و تحت أجنحتهم، ينشدونه من مهاجرهم أجمل القصائد، ويهدونه من نتاجهم، أعظم الدواوين.
كان جبل لبنان في عصر النهضة وطن الإمارة ووطن الأمراء. فانجذب إليه الشعراء ينفحون الأمراء بالشعر، ويتغنون بجمال الإمارة، وشدة تماسكها. وشدة تمسكها وتعلقها بالسيادة.
حاكى الشعراء اللبنانيون في أشعارهم، جمال الطبيعة اللبنانية. ولهذا أتت قصائدهم متنوعة، من حيث أغراضها، ومن حيث أوزانها. فنحن نجد منها، القصائد الوطنية. والقصائد الوصفية والقصائد الغزلية. بالإضافة إلى قصائد المناسبات: من مديح وهجاء. وكذلك من شعر المراثي.
وعلى الرغم من عمومية هذه الموضوعات، في تعدد الأغراض، وعلى رغم قدامة الأوزان والبحور، إلا ما شذ عن ذلك، من الشعر العامي ومن الشعر الحر، فإن الشعراء اللبنانيين، تميزوا عن أقرانهم الشعراء العرب، في سوريا والعراق ومصر والمغرب وبلاد الحجاز، إن لجهة قاموسهم الشعري، أو لجهة إستعمالهم المحسنات، أو لجعلهم القصيدة، أكثر رواء وأكثر غناء وأكثر ليونة، وكأنها أخذت من لبنان نسمته، وبصمته المميزة بين سائر الأوطان، في الإقليم، وفي خارج الإقليم على حد سواء.
إنه التميز الذي أصاب شعر الشعراء اللبنانيين، ولو داخل الأغلال نفسها، التي قيّدت الشعر العربي كله.
هذا التميز، يمكن أن نحدده، في الرقة والجزالة والإنسياب الغنائي، الذي هو وليد الطبيعة اللبنانية الغناء.
هل نتحدث عن أثر البيئة اللبنانية على شعر الشعراء اللبنانيين. أم أننا نتحدث عن تأثر الشعراء اللبنانيين بشعراء المدارس الغربية. أم نتحدث عن أصالة عرفت عند الشعراء اللبنانيين، ولم تعرف عند غيرهم من الشعراء العرب. أم نتحدث عن أثر ثقافي، وعن أثر مدرسي، وعن أثر تراثي، قدٌَ من طبيعة الجبل، ومن طبيعة الإمارة اللبنانية.
لم لا ؟ يمكن أن نقول بذلك وأكثر !. وللحديث صلة.