.
.كتب يوسف رقة / خاص موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت :
في قاعة مكتبة ” برزخ ” في شارع الحمراء , عرضت المخرجة السينمائية غِنا عبود فيلمها التسجيلي القصير ( يوسف ) بحضور صاحب حكاية الفيلم وممثِلُه الشاعر يوسف الخضر الذي وقٌع بعد عرض الفيلم ديوانه الشعري الجديد ” قبر في الأرض ..قبر في السماء ” .
كما اجتمع الشاعران د. محمد ناصر الدين والدكتور مهدي منصور على طاولة قراءة في شعر وقصائد الشاعر يوسف خضر في ندوة أدارتها الكاتبة سارة بيطار من مكتبة ” برزخ ” .
وبعد عرض الفيلم الذي يقارب ال 30 دقيقة , جرت مناقشته بين الحضور و المخرجة غنا عبود التي أوضحت بأنٌ الفيلم الذي صورته عام 2017 يتناول حكاية بائع الورد يوسف الخضر وعلاقته مع محيطه والناس الذين صادفهم في شارع الحمراء في بيروت وعلاقة الصداقة التي نشأت بينه وبين بعض الشعراء وجعلته يتجه الى كتابة الشعر ويصير شاعرا في نهاية المطاف بعد إن صدرت له سلسلة من كتب الشعر .
كلمة الناشطة الثقافية سارة بيطار
في بداية الحفل , القت الناشطة في مكتبة برزخ الكاتبة سارة بيطار كلمة الاحتفال وقالت فيها :
مسا الخير
قبل حوالي ثلاثة عشر عاماً وصل يوسف إلى بيروت انتزعت طفولته من يده ووضعت مكانها سلة ورود فوجد الطفل ذو الأعوام القليلة نفسه أمام خيار واحد وهو السير بثبات مع ابتسامة زائفة على ملامحه الحزينة لا لشيء إلا لإيجاد من يشتري وردة. لكن القدر أو الصدفة لا أحد يدري قادته ليصبح كاتباً نشهد الآن ولادة كتابه الثالث.
بعدها بسنوات وتحديدا عام 2014 قررت غنا عبود أن تصنع فيلما عن يوسف. يوسف الذي رآه كثيرون لكن قلة قليلة هم الذين عرفوا ما بداخله وكانت غنا من بينهم أقصد الذين عرفوا حقيقة ذلك الفتى، فقررت أن تحشر الكاميرا في صدره وأن ترينا عالمه الخاص لا -كما هو في الواقع- لكن كما يراه هو نفسه، فنتج عن هذه الفكرة فيلم نحن مجتمعون اليوم لنشاهده. هذا الفيلم كما عرفته مخرجته غنا عبود هو فيلم وثائقي يحاكي قصة يوسف الخضر الذي بدأت حياته في بيع الزهور في طرقات الحمراء والان يوقّع كتابه الثالث. الفيلم عبارة عن نزهة لغنا ويوسف وبينهما الكاميرا، من أول الحمراء إلى نهاية القصة.
أما المجموعة الشعرية التي سيوقعها لنا يوسف بعد انتهاء الأمسية فهي شيء خاص آت من نفس البيئة التي رصدها فيلم غنا عبود ولكن بطريقة أخرى ربما هي طريقة يوسف التي سنكتشفها حال تصفحنا للكتاب وهنا لا يسعني إلا أن أتوقف عند سؤال طرحته الصحفية ريتا فريد في لقاء صحفي أجرته مع يوسف لصالح صحيفة نداء الوطن. وأنا هنا أقتبس:
*ديوان “قبر في الارض… قبر في السماء” هو كتابك الثالث الذي سوف توقّعه الأسبوع المقبل. حدّثنا قليلاً عنه، ولماذا اخترت له هذا العنوان؟
الجواب:
استوحيتُ العنوان من عبارة وردت في أحد نصوص الكتاب، كما أنّ لها قصة في ذاكرتي. فبحكم عملي في السابق كبائع ورد متجوّل، كان عليّ أن أسير دوماً من دون توقّف بحثاً عن سبيل لبيع الورود الموجودة معي.
لكن على عكس ما كان يتوجّب عليّ فعله من مراقبة الناس واللّحاق بهم، كنتُ في معظم الأوقات أسير شارداً وموجّهاً نظري إلى الأعلى. وكوني كنتُ لا أزال طفلاً، لم أكن أدري أنّ هناك طرقاً أخرى غير الموت لبلوغ المدى، لهذا كانت تسحرني دائماً فكرة النزول الى داخل حفرة في الأرض، ثمّ الخروج من جانبها الآخر إلى السماء.
أما عن المجموعة الشعرية ككلّ، فيمكن تعريفها من خلال مقطع ورد في الكتاب نفسه وجاء فيه:
(بعدَمَا رأيتُ ما رأيتُ في هذا العالم، وسمعتُ ما سمعتُ، كان عليّ أن أكونَ كاتباً، لم أجد خياراً آخر. ما كنت لأخرجَ من هذا العالم صامتاً، ما كنتُ لأدعَ كل هذا الألم يُدفن معي.)
انتهى الاقتباس.
برنامج الأمسية كالتالي: مدة الفيلم 30 دقيقة بعدها لدينا عشر دقائق مع المخرجة غنا عبود لمناقشتها أو لطرح أي سؤال أو استفسار متعلق بالفيلم. ثم نأخذ استراحة حوالي 15 دقيقة بعدها تبدأ الأمسية الشعرية والتي يشارك فيها المخرج الأمريكي نويل بول بكلمة مصورة سنعرضها على الشاشة
ثم نستمع لكلمتي كل من د.مهدي منصور و د.محمد ناصر الدين بمناسبة صدور المجموعة الشعرية، ثم قراءات شعرية ليوسف الخضر. بعدها يوقع الكتاب.
شكراً.
ندوة حول الديوان :
..وعقدت ندوة حول ديوان ” قبر في الأرض ..قبر في السماء ” للشاعر يوسف الخضر شارك فيها الدكتور مهدي منصور والدكتور محمد ناصر الدين .
قراءة د. مهدي منصور :
هنا النص الكامل لقراءة الشاعر الدكتور مهدي منصور في الندوة التي أقيمت حول الشاعر يوسف أخضر :
ضع رصاصة واحدة في روليت المسدس، ثم قم بتدوير الأسطوانة التي تتسع إلى ست رصاصات، ثم ضع المسدس في رأسك، فإذا ترددت قبل أن تضغط على الزناد فأنت شاعر رديء…
وإذا شعرت أن رصاصة واحدة لا تخيف رأسك التي تسرحه بأمشاط بالرصاص، وأن نسبة 1/6 هي مغامرة خطرة واحتمالاتها أقل من احتمالك للحياة، فأنت شاعر ثوري،
وإذا فكرت أن تملأ الروليت بخمس رصاصات أخرى لتمسك الحياة من يدها اليمنى، وتخبرها أن الشاعر لا يلعب بالنرد ولا بالسرد فانت إذن بلا شك، يوسف الخضر… الشاعر الذي يعرف أن الوردة التي تسبق قبلة العاشق تصلح أيضاً لأضرحة القصص العاطفية ووسائد المتعبين ورخام قبور الشهداء…
مشكلتي الوحيدة مع يوسف أنني كلما قرأته شعرت بالارتجاف، فكتابه هو ذلك المسدس الممتلئ بالرصاص، بالشعر يحيي وبالشعر يميت… فكل صفحة معول يحفر شبراً في الأرض، وكل فكرة طائر يحفر بمنقاره شبراً في السماء… ولك بعد الانتهاء من الديوان أن تهوي، كالنيزك إلى قبر في الأرض أو تصعد كالمسيح إلى نجمة في السماء…
وماذا يعني أن تكون شاعراً، وما هو الشعر أساساً؟ ومن منا له الحق في إطلاق الأحكام أو تعريف المسميات… فإذا قلت لي أن الشعر وزن سأسألك عن وزن الهواء ووزن الضوء ووزن الظلال، وحذار أن تتنصل من الاعتراف أن الهواء هو معلقة الأشجار الأولى، وأن الظل هو قصيدة الضوء في حالات الوجدان الأكثر عمقاً، وأن الضوء قصيدة الله… إذن دعك من الوزن الآن فإن الإيقاع الحق هو إيقاع الشاعر، هو صوت أمعائه الخاوية، أو اصطكاك عظامه على الأسرة، أو ارتجاف الشفاه التي تحار بين ملح القبل وسكر الكلمات..
وإذا قلت لي إن الشعر هو القافية، لكأنك تقول إن البحر هو الموج، وأن الصياد هو الشبكة وأن السفينة هي الشراع. القافية هي دمك الذي يتغنى به الناس كلمات نجوت من صدفة من الحياة، أفلا يمكن أن تنزف بلا دم، وأن تبكي بلا دموع وأن تحب بلا امرأة، أن تتألم بلا نحيب أو أن تنعى بلا فاتحة.
وإذا قلت أن على الشعر أن يتسم، على حد قول سوزان برنار، بحد مقبول من الإيجاز والتوهّج والمجّانية، كأنك تقول لي أن بدلة أبيك الرمادية القديمة تصلح ليوم زفافك، أو أن اعتقاد جدك بالدين والرسالات يصلح اليوم أن يشكل أساسيات فلسفتك وتفكرك المتقدم، ولعمري، إن جل أزمتنا اليوم أننا نرى في كتاب واحد أسرار الزمان والمكان، ورسالة واحدة حكمة الأجيال الرسولة كلها، ولغة واحدة اختصار الألسن… فإذا لم نطور الشعر واللغة والمعاني وإذا لم نحرره ونحرر كاتبيه من التعريفات الرجعية أو التوصيفات الجاهزة فسينتهي الحال بنا في الشعر كما هو الحال في المذاهب والسياسة، ولا يمكن للشعر الكليّ الطوبى أن يصبح أسير دويلات ومقاربات وصراعات كتلك التي نعيشها في الشرق.
ونحن، في حين نحاول بناء القصيدة، يمارس يوسف الخضر الشاعر المشاغب التدمير غير المنظم، يقوم بطَحن الكاتدرائيات الشكلية الشعرية التي لا تصلح لغير ترداد الأصداء من الداخل والإدهاش الفني من الخارج مع استحالة العيش في برد فسحاتها الخالية من المعاني الجديدة..
الحقيقة أن التعبير نفسه بالنسبة إليّ أهم من شكل التعبير، ولم تؤرقني يوماً مسألة الشكل ولم أتعاط مع قصيدة موجزة على أنها ناقصة، بل كنت أراها بعين الماغوط الذي أحرجنا كلّنا، كلّنا كما قال درويش، وما فتئت من قرّائها الأوفياء. بعد محاولات تملأ مئة سلة مهملات اقتربت جداً من الاقتناع أن التحديث من داخل الشكل الكلاسيكي بات مستحيلاً، وأنّ كل محاولاتي لجر مياه الحداثة إلى بئر الخليل لم تزني إلا عطشاً. وبصدق أكبر أقول لأصدقائي، لم يعد ثمة جدران لدينا لتعليقات المعلقات!!
مشكلة بعض قصائد الشعر الحديث أنها كلاسيكية أيضاً!! إذ هرب كاتبوها من القوالب والجاهزيات ليلتصقوا بقوالب أخرى، ومشكلة كثير ممن يتعاطون قصيدة النثر أنهم لا يميزون تماماً بين النثر الشعري والشعر المنثور وقصيدة النثر، وما زلت، وسأبقى، أتحسس من إطلاق التسمية، أي قصيدة نثر، جزافاً على كل عقد كلمات انقطع خيطه من غير رؤية فنية أو لسبب آخر، فالويل لنا إذ كثر فينا الشعراء وقل فينا الشعر. وهنا أقول، إن حداثيي اليوم هم كلاسيكيو الغد وإذا لم يتم الانتباه إلى هذه النقطة فالشعر آخذ بالتلاشي من غير شك ولا رحمة..
أقول هذا الكلام، لانني كلما قرأت ليوسف الخضر تذكرت أدونيس عندما وزع إحدى قصائد الماغوط على رواد الحداثة في إحدى حلقات مجلة شعر، وبعد قراءتها، قال أنسي الحاج أنها ترجمة لبودلير وأشار يوسف الخال أنها مقطوعة من شعر إليوت، بينما لم يخطر ببال أحد، أن فتىً رثّ الثياب، قليل الكلام، كثير الجلبة، يعترف أن الفرح ليس مهنته، وأنه نبي تنقصه اللحية والعكاز… الجالس في آخر القاعة وأمامه بطن منتفخة وعلى رأسه قبعة سوداء هو صاحب هذا النص… لماذا على الجديد المختلف أن يأتي دائماً من الخارج؟ لماذا نعمى أن شعراً يوسفياً أخضر يمكن ان يتفتح في هذه البلاد التي نراقب اشجارها الجواسيس ونتحيّن مواسمها كالعملاء المأجورين؟
نحن في الشعر، كما في الاقتصاد، نعيش بين مطرقة الدعم وسندان السوق السوداء…
فكيف إذن، يا أيها المجبول من تراب سوريّ، اكتشفت أرجوان اللغة؟ ومن أين تأتي بباقات وردك التي يكاد احمرارها يشي بدماء الضحايا وشفاه العذارى على حد سواء؟
لو كنت شرطياً، لبحثن عن كل من اشترى وردة منك لأرى أثر الشم على نبض الدم، ووقع ورق الورد على ورق التبغ ودفاتر الشعراء، وأثر الندى على منسوب مياه الأنهار الشعرية في العالم…
ولكنني شاعر مؤمن أن الطرقات بداية الكلمات، وأن النساء طردٌ عاطفي من السماء، وأن الدخان محاولة جادة لتضليل الآلهة، وأن الأقبية أجمل للحب من الأسرة، والجوارير أسلَم للقصائد من المكتبات، وأن المنافي أأمن على الشعراء من الأوطان، وأن الغربة باب الغرابة، وأن الرحيل شرط ضروري على الينابيع لتدخل في موجه البحر على شكل نهر مذكر سالم…
ولأني وجدت في قسمات وجهك بعض تجاعيد الشعراء الكبار وبقايا خبز الفقراء وتراب الأرصفة وحكايا المطر، ولأني لمحت على شفتيك قصص خجولة وشعر كثير، ولأني تعرضت لأكثر من نوبة ارتجاف عندما ركضت كالهامستر من قبر في الأرض إلى قبر في السماء، ولأني ككل أصدقائك فخور ببزوغ أصابعك العشر على ظلام هذا العالم، اسمح لي أن أدعو الحاضرين على التلصص على خلجات قلبك من خلال كتابك كما تلصصت على الغيب أيها الصياد الجميل، وأن أشجع قارئيك على اقتفاء أثرك في حقول لغتك الاستوائية الدافئة، وأن نحيّيك سورياً على صليب الورد كان يعطر النساء قبل ان يقرب امرأة، ويرتب للعشاق المكان، وهو بلا عاشقة أو مكان، ويكتب للنساء حتى اللواتي تزوجن من سواه، ويغني للبلاد التي قطعت أذنيها بشفرة رجال الدين، وإلى العالم الذي كلما أهديته وردة جرحك بشوكها، وللعائلة التي كلما أهديتها وردة جرحتك بشوقها… فأهنا أيها الناصري بتاج الشوك على رأسك، فإنه لا يليق إلا بالفقراء والشعراء…
وامش الهوينا، وأنت تحرج كل الشعراء أمام الشعر…
واعلم ان كل شعر يضع المخمل والكشمير على كتفيه، لا يُعوّل عليه…
قراءة د. محمد ناصر الدين
الشاعر الدكتور محمد ناصر الدين قال في مداخلته : ” الشاعر يوسف خضر ضربته الوردة في الاحساس والعمق والتجربة فحولّها شعرا , أليست هذه الخيماء, بذاتها ؟ ” .
وقال : ” بعض الشعر يكتب في العقل , فيكون خاما كشجرة يعوزها عصفور ..وبعض الشعر يكتب من القلب فتعوزه الفكرة مثل عصفور بلا شجرة , الشجرة فكرة العصفور “.
أضاف القول : ” لكن بعض الشعر يكتب من الجلد الذي كوّنه الشمس وبلٌله المطر ولفحته الريح ..بعض الشعر يأتي من المعدة الخاوية , من خوف الولد الأعزل من الطائرة , من القنّاص , من البرميل والحزام الناسف , كيف نصف هذا الشعر ؟ ” .
وقال د. ناصر الدين : ” الشعر حنين يوسف الخضر , فراشه ووردته ومعانقته للحياة قهرا , واصراره على القبض عليها مشعشعة ” ..
..هذا ، وقد عرض في ختام الحفل فيديو الرسالة التقديرية من الناقد السنمائي العالمي نويل بول حول فيلم ( يوسف ) وشهادته بالاخراج الذي نفذته المخرجة اللبنانية ابنة بلدة كفرحباب الشابة غنا عبود .