( خاص موقع ” ميزان الزمان ” للأدب والفن” ):
نجوم الشعر
الشعر فضاء، والشعراء، نجوما وكواكب، إنما يسبحون فيه.
فضاء واحد للشعر، كل الشعر. إتسع لجميع الشعراء، من كل الإثنيات والهويات واللغات، منذ بدء الخليقة حتى اليوم. وهم لازلوا، كما النجوم والكواكب، كل في فلك يسبحون.
شعراء من شرق الأرض. شعراء من غرب الأرض. شعراء من الشمال. شعراء من الجنوب. كانوا يظهرون في الفضاء الشعري القديم، قدم الإنسان عليه، مثل الفاتحين. يتخذون فلكا، ثم يدورون حوله. يشعون فيه. ثم ينطفئون. يثقل الزمن عليهم، كما يثقل غبار الأثير، فيحتجبون. ثم يجيء من يكتشفهم من جديد: يزيل عن أشعارهم وعن أسمائهم، غلالات القدامة، وكثافة الزمن الغريق.
الشعر أصل فتوح الأرض. والشعراء أول الفاتحين. وليس من أمة إلا جربت حظها في أعمال الفتوح. ليس من أمة إلا جربت حظها في الشعر: خرج منها أصحاب الرايات، يؤسسون للعالم. يؤسسون لعالمهم: مؤسسات العبادة، والطبابة، والتعليم،والحكمة والفلسفة. يضعون حجر الأساس لها. ثم يرسمون خرائط الأفلاك. يقومون برصدها. يغيبون في طياتها، ويسبحون. ويظلوا يسبحون.
لست من المختصين بتاريخ الشعر، ولا بتاريخ نجومه. لكنني ممن تحدثوا عن البدايات. وممن درسوا تلك البدايات، في صفوف الجامعات. ممن كتبوا المقدمات لتاريخ الشعر العربي. و ممن كتبوا المقدمات، لتاريخ الشعر المقارن.
خلصت بعد عقود الكتابة والتدريس لأقول للناس: إن الشعر واحد في كل الفضاءات. وإن شمسه واحدة، مثل الشمس. وإن ما يحكى عن القصائد وتقصيد القصيد. وعن الأشعار والمقطعات والمقطوعات، ليست إلا من باب التشظيات، أثناء الإنفجار الكوني للشعر.
أخلص للقول من خلال معرفتي بما أثير في هذا الباب عند المؤلفين والكتاب، أن هناك إنفجاريين كونيين، حصلا في التاريخ:
1-الإنفجار البركاني، الذي أورثنا الأرض والأفلاك والشموس والكواكب والنجوم والمسيرات.
2- الإنفجار البشري، الذي أورثنا آدم وحواء، والشعر والأدب والكتاب.
الشعر في هذة المقولة، هو الإصدارالإنساني الأول. فآدم وحواء، باكورة الشعراء. كل ما نسب إليهما، شكل باكورة الشعر على الأرض.
دعنا من السؤال الفلسفي، عن القدوم الإنساني الأول إلى الأرض. ولنتحدث عن الإصدار الإنساني الأول للشعر. فإذا كان الهبوط الإنساني، قد بني على الإعتقاد، فإن الإصدار الشعري الأول قد إلتمس من الوقائع.
أعتقد، بما جزم به بعض العلماء. بما قال به بعض الباحثين والدارسين، لتاريخ الشعر.
فمن خلال تحريهم عن تاريخه المقارن، لدى الأمم والشعوب القديمة والجديدة، وجدوا منابته واحدة: في جميع نتاجاتهم المرويةوالمكتوبة. وأن أصواتهم لا تزال تدور في الأفلاك، مع أصوات القادة والفاتحين والخطباء.
قالوا أيضا، بأن صورهم تسبح نجوما مع النجوم في السماوات، تماما مثلما كانت شخوصهم تهيم مع الوحوش في المدائن و البوادي والفلوات.
لا داعي للقلق على نجوم الشعر: لا يحتاج الأمر إلا إلى مزيد من تطور الحداثة، حتى نجلس إلى مرصد تقني متقدم. نقف خلف عدسته، ونرى صور الناس المخزونة. ونرى أصوات الناس المخزونة، نجوما وشظايا نجوم، في فضاء الشعر. و”كل في فلك يسبحون”.