التاريخ: 30/08/2021
المقال رقم: 37/2021
الكريمـــة عبـــود
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
“جيب المجوز يا عبود ورقّص أم عيون السود…”
“دلوني عل عينين السود وعلقوني، يا ليل ال ما لو حدود”…مين عينيها سود؟ عبود؟
من قس ناصري من فلسطين إسمه سعيد عبود لكن يقال أيضا أن جذوره القديمة كانت من تراب الجنوب اللبناني وبالتحديد من منطقة الخيام الحدودية لفلسطين، هذا الإمتداد الجغرافي المبارك والساحر والذي كان امتدادا واحدا دون حدود وتقسيمات مزيفة. ولدت أول مصورة عربية فلسطينية في الناصرة،عام 1896، الكريمة علينا، كريمة عبود.
أنا الذائبة المولهة بهذا الإمتداد، أنا العاشقة لهذا التراب كله…لهذا الهواء، لتلك النسيمات التي تلاطف كل من يزور هذا المكان، الناصرة الفلسطينية والخيام اللبنانية. كريمة، كانت من النساء الرائدات. لم يكن هناك أي نساء تمتهن التصوير في عصرها، فجاءتنا الكريمة…
ما أجمل المرأة عندما تكون هي العطر الأول، فارسة ساحتها وكاسرة لكل التقاليد المتهالكة لكن، بعلم وإبداع ومهارة.
كلما يتم ذكر مدينة الناصرة، تضطرب جوارحي وأشعر بالرهبة. كيف لا وسيدنا المسيح هو رمز هذه المدينة النابضة؟؟!!
الناصرة وأول مصورة عربية…يا لهذا التميز! يا لهذه الروعة! إضافة لناصرتنا، فقد عاشت عائلة كريمة عبود أيضا في بيت لحم حيث كنيسة المهد بسبب الإمتهان الديني لبعض أفراد عائلتها الكريمة، للكريمة.
وكحال أول مصور فلسطيني عربي، خليل رعد، كذلك فقد تتلمذت أول مصورة عربية وفلسطينية على يد مصور أرمني في القدس. لكم كانت القدس حاضنة وحاضرة في فنون التصوير الفوتوغرافي وغيرها في ذاك الوقت! فكانت بداياتها العملية الإحترافية في العام 1913.
في علوم الإجتماع ودراسات العادات للبيئات، نجد أن النساء لم تكن تذهبن للتصوير بمفردهن في مرحلة كريمة عبود، ما جعل مصورتنا المبدعة تبتكر وتنفذ فكرة افتتاح استديو لها لتصوير النساء في بيت لحم لما يوفر لهن راحة أثناء التصوير للألبومات العائلية والإجتماعية وغيرها. سحرتني هذه المرأة…شغفتني قدراتها الخلاقة خاصة في عصرها. لقد كتبت في السابق مقالة وحكاية بعنوان ريادية نسائية فلسطينية، وأنا اليوم أعلن ضم أول مصورة عربية فلسطينية لمقالتي وحكايتي…كريمة عبود.
بعد تأسيس أول استديو نسائي في بيت لحم، تطورت مصورتنا الحبيبة لكي تؤسس المشغل المختص بتلوين الصور. إذاً، نحن نتكلم هنا ليس فقط عن امتهان وريادة، بل نتوسع لنرى عقلاً يبدع في عالم التميز ويبتكر الأساليب ويواكب الحداثة. هنا نتحدث عن مراحل النمو العملي وليس فقط التخصص والمهارة.
إشتهرت ألبومات كريمة عبود شهرة واسعة في عصر الإنتداب البريطاني، فامتدت شهرتها إلى دمشق والسلط وبيروت والشويفات بعد أن راكمت ألبومات تصويرية للمدن الفلسطينية كيافا، طبريا، بيت لحم، الناصرة، قيسارية، حيفا، القدس وغزة. كانت العوائل الشهيرة كذلك في تلك المدن تعتمد عليها وتقوم بوضع صورها في دورها.
الملفت في الأمر، أن ألبومات المصورة العربية والفلسطينية الأولى، كريمة عبود، لم تكن فقط عن المدن والأماكن وبعض الصور العائلية الجماعية إنما كان هناك تنوّع فني وتراثي في صورها فمثلا صور للألبسة التراثية والشطوة التي كانت توضع في أعلى الرأس مع الثوب التراثي لبيت لحم والناصرة، صور للمعدات والأدوات التراثية المتعددة ومنها معدات شرب القهوة والفضيات والنحاسيات والمجوهرات إضافة إلى صور الأطفال ورجال الدين والمباني…
حكايتي اليوم، عن بحر من العطاء النسائي الفذ، عن إمرأة فاقت نفرتيتي بجمالها، جمال ليس كلاسيكي بل ريادي، يُشبع الروح والعقل معاً، أما العين فهي تراه من خلال عدسة وصورة…جمال الكريمة عبود، المصورة العربية والفلسطينية الأولى كريمة عبود…سلام لروحك التي انتقلت عند خالقها سنة 1940 وها أنا اليوم أكتب عنك يا كريمتنا في العام 2021…فأنت باقية