التاريخ: 19/08/2021
المقال رقم 32/2021
كحــل عربــي
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
يا كحل عيني العربي، يا مكحلتي الجميلة، ها أنا أعشق عروبتي لأن: “الأرض بتتكلم عربي الأرض الأرض…”
لطالما عشقت تراثياتنا العربية واستحوذت على قلبي تلك المكحلة النحاسية الرشيقة. ما أجملها! ما أجمل عروبتي عندما تترافق مع صهيل الحصان ورنة خلخالي بينما أجوب على حصاني البحر والجبال وصحراء بلادي…وما أرق صوت الفلاحة عندما تغني أهازيجها بلهجتنا العربية المحكية ومن ثم تتوارى عن الأنظار إذا غربت الشمس…فقد حان وقت راحتها ووقت حزني لأني لن أسمع صوتها بينما أستمتع بمنظر الغروب…
كم أعشق الحنة التي كان الكبار يضعونها على أياديهم مع رسومات مختلفة…فقد عادت تلك الرسومات وأنا أتمرد بالوشم. لا أحب ذاك الوشم بالإبر…لا…أنا أحب فقط رسم الحنة العربية العربية العربية….
هل فعلاً أهل حيفا من المجموعات الغربية التي تسكن فيها؟ فكما سمى الإحتلال أجزاء مدينتي يافا ب “تل أبيب” وغيَر بكثير من معالمها ونكهتها ورونقها، كذلك كان الأمر مع مدينة حيفا.
حكايتي لليوم عن ذكر بعض العوائل القديمة والأساسية الحيفاوية والتي سكنت حيفا منذ ما قبل النكبة. وهل حيفا عربية؟ نعم، إنها العربية العربية العربية.
فمثلاً آل أسعد والريس كانا في الأساس من عوائل حيفاوية مسلمة منهم صيادون ومنهم محملو سفن. أما آل بحري فهم من حيفا كذلك، روم كاثوليك منهم صحافيين ويمتهنون الأعمال الطباعية. عائلة بوتاجي في الأصل كانت حيفاوية من البروتستانت ومنهم تجار ومستثمرون. عائلة باسيلا وجدعون من الأصول الحيفاوية العربية، روم كاثوليك منهم موظفون بمهن مختلفة وكذلك معماريون وتجار وملاكي أراضي. عائلة حمزة من طائفة الموحدين الدروز العربية الحيفاوية وقد خرج من هذه العائلة أطباء مجتهدين. كذلك آل خمرا وهم من المسلمين تخرج من هذه العائلة أطباء كذلك وهم من الملاكين للاراضي. آل سابا كانوا من أصول حيفاوية وكذلك منهم من مصر وهم من البروتستانت عمل جزء كبير منهم بالمهن الدينية المتنوعة. وكذلك آل شيخ حسن هم من العوائل المسلمة والتي استلمت مهن دينية متنوعة كما آل سابا السالف ذكرهم مع اختلاف الطائفة وكان منهم تجار كذلك. نجد أن هناك من آل شحيبرمن كان يخدم في شرطة فلسطين وهم روم أرثوذكس أما آل شكري فكان منهم موظفون في أعمال البلدية وهم مسلمون. وفي فن العمارة نجد من آل شلح وهم من الروم الكاثوليك وعائلة جيرمين من اللاتين الذين كان قسم منهم يعمل في السفارة الفرنسية وكذلك في التجارة.
إن هذه العوائل كلها من أصول حيفاوية عربية أصلية وكانت تعيش في حيفا وقدمت لفلسطيننا الغالية أعمالا لا بد أن ينصفها التاريخ. إضافة إلى تلك العوائل كانت هناك عائلات أخرى من فلسطين ولكن غير حيفاوية ، عاشت في حيفا وازدهر اسمها مع ازدهار فلسطين ومن بين تلك العوائل آل حبش وهم في الأصل من القدس، روم كاثوليك وكان قسم منهم موظفون حكوميون. آل حبيبي وهم من شفا عمرو من طائفة البروتستانت كان منهم محامين وموظفين في سكك الحديد. أما آل حكيم فهم من الناصرة من الروم الأرثوذكس وكذلك كان من بينهم محامين وتجار. آل جبور من العوائل الكاثوليكية التي كانت تملك مكتبة وهي في الأصل من شفاعمرو. آل السعد كانت من العوائل المسلمة ومن الملاكين أصل تلك العائلة يعود إلى أم الفحم.
وهناك العديد العديد من العوائل الحيفاوية العربية العريقة وكذلك من العوائل الفلسطينية العربية التي كانت تنتمي إلى مدن وقرى فلسطينية متنوعة لم أذكرهم في حكايتي لأنني لا أطيل سردي في الحكايات وإنما أشير وألفت النظر إلى النقاط المهمة جداً التي يجب أن نعرفها جميعًا كي لا نبقى غارقين في عالم التزوير الذي أراده الإحتلال لنا…ستتساءلون أين ذكري للعوائل الغير فلسطينية التي عاشت في حيفا طبعًأ! سأقول لكم إن مدينة حيفا العريقة كما مدينتي يافا التاريخية العريقة التي عرفت بكنية يافا أم الغريب وعروس فلسطين والتي هي من أقدم المدن التاريخية والتي عرفت بمينائها الرائد قبل استحداث ميناء حيفا لاحقا، كذلك كانت حيفا تستضيف الجميع وتكرم الجميع وتحب الجميع…فمن بين تلك العوائل هناك آل شبييب الدمشقيين وهم مسلمون كانوا من التجار والملاكين كذلك في حيفا. أما آل سلامة فهم من العوائل اللبنانية المارونية وكان منهم موظف حكومي في سكك الحديد في حيفا. وآل زعرب اللبنانيين من البروتستانت ومن بينهم أطباء وتجار. وهلم جره…
نعم، إن أصل ديمغرافية حيفا ليس أوكراني ولا أوسترالي ولا دانماركي ولا ليتواني. وقد ذكرت عن بعض تلك العوائل وبذكر طوائفهم عن قصد. لأبيّن كافة الحقائق وأكشف عن التزويرات. فلا حيفا غربية ولا يهودية صهيونية بل إن حيفا فلسطينية عربية، عشقت النمو لكن الاحتلال جرف كنيتها وأضاع الكحل العربي منها…فصارت عبارة عن متروبوليتان لبيئات من بلدان مختلفة تحاول أن تنصهر مع بعضها البعض على أراضينا التي سرقتها وفي بيوتنا السليبة. بالمناسبة، أنا لا أكتب حكاياتي تلك سوى عبر مراجع ثمينة ودقيقة ومنها من سلسلة مدننا الفلسطينية ومن إصدارات مؤسستنا الكريمة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ثقوا، أن من يطالب بالحق لن تكون حكاياته سوى حكايات تعانق القداسة بالموضوعية والدقة والتمحيص. إنها أبحاث للدفاع عن حقوقنا والمطالبة بكسر هذا الحاجز المذل لكل المفاهيم والمعايير الإنسانية. نعم إن الأرض عربية، فاستعيدي يا حيفا مكحلتك العربية، استعيدي “الكحل العربي”.