سارقو الشعلة
يعيش لبنان اليوم، محنة عظيمة. هي من أدهى المحن وأمرها على قلبه. سرقوا من يده الشعلة، وجعلوه في ليل دامس.
كان لبنان يعتز، بأنه منارة الشرق. كان لبنان يعتز، بأنه مطبعة الشرق، كتاب الشرق. كان يعتز بأنه الشراع والحرف. كان يعتز بأنه الشمس والريح والثلج.
كان لبنان يعتز حتى جيل مضى، بأنه وطن النجوم، ومهبط الإلهام والوحي.مهجع الفهود و الأسود. ومحط الصقور والنسور.
كان لبنان بيده الشعلة لقرون وقرون. كان ربيعه لكدس الثلج في المغاور. وكان صيفه للعشابين، ينصرفون طيلة الفصل، لجمع الزهور وأوراق الطيب، وأعشاب التطبب، من أعاليه. من مزارع الشوح والشربين والأرز.
عاش لبنان على مجده القديم. لا يستطيع غيره أن يحوز عليه من البلدان. كان بلدا محسدا في كل شيء. من نبعة الماء، حتى النهر. ومن إنبوب السقي، حتى شجر الدوح.
كان لبنان، قبلة العالم أجمع. مقصد الرحالة و السياح. وموطن الأساطير وموئل المتعبدين.
كان الناس يشدون الرحال إلى لبنان، من أقصى الأرض. يريدون التبرك بترابه. يريدون التعطر بنسيمه وأثيره. يريدون التمسح، بمشالحه وأوراقه. يريدون التعاهد تحت أفيائه.
مضى زمن البركة في لبنان. مضى زمن التبريك. مضى زمن الهجعة والنزهة وشم النسيم. مضى زمن التبرك بشلوح الأرز.
لبنان، ذاق زمن الإنقلاب عليه، منذ مطلع القرن. سرقوا منه الشعلة، وجعلوه على خشبة، يعاني قسوة الصلب.
إنقلب عليه الحانقون. إنقلب عليه الناكرون. إنقلب عليه المبغضون، وجعلوه مرمى نارهم في كل وقت.
لبنان الرسالة، لن يموت، مهما إشتد عليه الحصار. ومهما عرضوه للحديد والنار.
لبنان له رب يحميه، حين تكثر السكاكين حوله. وحين يجردونه. وحين يعرضونه للذبح.