ولادة ذاكرة
عمرٌ باحَ لي بأسراره ، فصارَ القلبُ يتقنُ لعبةَ الزمن .. تحرّرَ الوقتُ من معتقل الانتظار ، واعتنقَ الدهشة ليولدَ بلا انكسار ..
عدتُ الى زمن جدتي ، أسمعُ بشغفٍ حكاياتها الصادقة ..
وأتعلّمُ سرّ الأبطال ..
محوتُ عن كاهل السنين صورًا باهتة ، ولهفةً اغتالها عابر سبيل ما أورثَ النبضَ إلا أنينه ..
وعلى جفني المرهق نقشتُ كحلي الأسود الذي ما عاد يشوّهُ عينيّ العائدتين من غربة العتمة ..
فقدتُ بإرادتي فصولَ الوهم .. ومزّقتُ أقنعةَ الأيام المشوّهة .. ورميتُ خلفَ ظهري وصايا العهود المزوّرة ..
هي القيامة ..
تعلمتُ كيفَ أرمّمُ ذاكرتي
مع صديقي الذي أعادَ لي بهجة الطفولة ..
مع حبيبي الذي يدلّلُ روحي كلما ناداني باسمي ..
مع مرآتي التي علّمتها مداراة انكساراتي ..
مع نفسي التي ما عادت ترتضي أنصاف الأحلام ..
تعلّمتُ كيفَ أنصفُ ذاكرتي
بوردةٍ أقطفها من ربيعٍ يهديني وحدي كلّ عطره ..
بفتًى أسمر كبرتُ معه في ملاعب قريتي ، لم يسرقه مني السفر ..
بإصرار أبي أن أقطفَ الأماني من عليائها لأزيّن بها ابتساماتي ..
بدعاء أمي أن يبعدَ الله عني كلّ أفّاقٍ وجبان ، وكم تلاشت أطيافٌ كاذبة..وظلمت أنا القدر ..
ذاكرتي أنقذتها .. ومعًا نكبرُ ..
بلا ألم .. بلا عتاب .. بلا هزائم ..
( الكاتبة رانية مرعي/ لبنان )