التاريخ: 13/07/2021
المقال رقم 26/2021
جـان دارك – حياكـة المجـد
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
“جان دارك، هل أنت قديسة؟”…
كنت طفلة لا تعي تفاصيل الحياة بعد ولا الوحوش فيها إلا أنني كنت مدركة تمام الإدراك أن هناك صراع ما بين الخير والشر، لقد علمت عن هذا في صغري وفقًا لمعاناتي الخاصة، لضياع فلسطينتي وبكائي عليها…
علمت عن امرأة عبر التاريخ، اجتاحتني، شغفني حسها وشموخها وبقيت في مخيلتي إلى اللحظة التي أكتب فيها الآن وأعتقد، أن الأمر سيستمر معي. سحرتني جان دارك Jeanne d’Arc تلك الفرنسية المجاهدة. ولدت من الفلاحين على عكس ولادتي كإبنة المدينة، فهي فرنسية من الوسط الشرقي في فرنسا من Orleans، سنة 1412 واستشهدت سنة 1431. تم تطويبها كقديسة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وأنا لست بصدد أن أتناول هذا الأمر ولكن كل ما أعرفه أنها إنسانة صالحة قادت جيش بلدها بكل شموخ ووطنية ونبل وتم إحراقها على يد سجان جدي ومنتدب بلدي فلسطين، البريطاني الذي سلم فلسطيننا إلى احتلالها اليوم.
جان دارك، أنا لا أحبك وأحترمك بسبب وحدة حالنا مع البريطان، لكنني لطالما “تبلكمت” وبكيت عند سماع اسمك. أحبك لشخصك.
حكايتي لليوم، عن المقاربة ما بين نساءنا العظيمات. عن حياكة المجد. فكما تمجد اسم جان دارك ها هي المرأة الفلسطينية تحيك خيوط بقائها، الإبرة والخيط الفلسطينية التراثية. فقد ذكرت مؤسسة يافا للمطرزات الفلسطينية التراثية جملة رائعة: “حين منع الكيان الصهيوني رفع العلم الفلسطيني في الإنتفاضة الشعبية عام 1987، ظهرت المرأة الفلسطينية بثوب مطرز بالعلم الفلسطيني لتجعل من جسدها أداة مقاومة، ولتصنع تاريخ جديد للتطريز في تلك المرحلة.”
كذلك وقد قرأت بعض القراءات حول تراثيات الإبرة والخيط الفلسطينية وعلمت عن الكنوز التراثية وارتباطها بكل حيثياتنا وتفاصيلنا الحياتية منذ ما قبل الانتداب وصولا إلى الإحتلال. فجان دارك ليست فقط فرنسية، جان دارك الشامخة تعيش في بلاد كنعان والفينيق والبرتقال والأرز والياسمين وطبعًا تفطر زيتونًا مباركًا مع زعتر بري وتتمايل برقصتها الحلوة الناعمة مع أهازيج النساء التي تخبزن على التنور والطابون والصاج.
لن أتطرق إلى تقنيات الغرسات واختلافها مع المدن والقرى، يمكن للجميع القراءة والبحث حول تلك الأمور وربطها مع واقعنا وأسلوب حياتنا. لكنني تعلمت شيئًا عن ال”شطوة”، تلك القبعة الأسطوانية الصلبة التي تغطى بالقماش الأحمر أو الأخضر. الشطوة كانت اختصاص نسائي لأهالي بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور. كانت تتميز بوضع نقود ذهبية وفضية في الأمام وفقط فضية في مؤخرتها. إضافة إلى صف المرجان فوق الدراهم والنقود تلك. كان يتم تطريزها بشكل دقيق جدًا وكذلك يتم وضع قماش مربع فوقها يعرف بالتربيعة.
أما ما قاله أستاذ أحمد الكباريتي الذي كتب حول التقنيات في التراثيات الفلسطينية وفنون الإبرة والخيط والتطريز، كان جذاب فعلًا حين تطرق إلى ثوب رام الله، التي أسميها ال”رام”، وأعشق الروح فيها وكم أتمنى، كما يافا، أن أزورها وأرقص في شوارعها معلنةً البهجة الأزلية.
” ثوب رام الله
كان نسيج رام الله الشهير المعروف بـ”الرومي” يُنسج بالنول اليدوي، وتطرزه النساء من الكتّان الأبيض لموسم الصيف. وكان ذات الثوب يُصبغ بالأسود للشتاء. وقد عُرف عن أولئك النسوة دقتهن في عدّ الخيوط لإنتاج غُرزٍ منتظمة.
وقد عُرف عن نساء رام الله إدخالهن نقش الزهور باستخدام الخيوط الحمراء والسوداء. لكن الرغد النسبي الذي عرفت به المدينة عمن سواها؛ منح نساءها قدرةً شرائية وافرة لشراء الكتّان والحرير المخصص لإبداعاتهن الفنية، واتّخذنه لحياكة أثوابهن، حتى ذاعت شُهرتهن في اقتناء الأثواب الفارهة.
أحمد الكباريتي”
هذه عينة طبعًا عن ما تمت كتابته وهناك بحر من التراثيات أتمنى لو تغوصوا فيه وعن مدينتي يافا، وينبوع من الشموخ والعراقة كالحبيبة جان دارك، المرأة الفلسطينية التي لطالما حاكت مجدًا لم يفهمه كثيرون ولكنني أعلم أن عين جان دارك الشهيدة تراه…
لا أعلم يا جان دارك ما إذا كنت قديسة فعلًا أو تواتر الأحداث قد جعلت منك هكذا، ولكنني أعلم تمام العلم أنك النفس الزكية المتفانية كمريم الفلسطينية