كأس المماطلة
يعيش اللبنانيون اليوم، تجربة جديدة. يتجرعونها جرعة جرعة، حتى يعتادوا عليها. حتى تنساب في نفوسهم. تصبح مثل لقاح كورونا أو المتحورة “دلتا”، أو مثل لقاح “داء الكلب”.
أهم ما هو مطلوب، من جرعة المماطلة، أن لا يحزن اللبنانيون كثيرا، إذا ما موطلوا في حقوقهم. إذا ما موطلوا في رواتبهم. إذا ما موطلوا في إستحقاقاتهم. إذا ما موطلوا في أرزاقهم. إذا ما مطلوا عليهم في أخذ أو نيل، أو كسب، أو الحصول على مستحقاتهم.
تذوق اللبنانيون لأول مرة، كأس المماطلة، منذ تأسيس لبنان الكبير. منذ تأسيس الكيان.
موطلوا في تأسيس الدولة المدنية في لبنان. وفي إلغاء الطائفية السياسية. وفي بناء الدولة على أسس من الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
شعر اللبنانيون، منذ تأسيس الكيان، أن القوى المؤسسة، تراوغ في مواقفها. تماطل وتمطل، حتى تضع الناس أمام خيباتهم. فلا مكاسب ولا حقوق، ولا بلد ولا وطن، وإنما العيش في ظل الطوائف والمقارف.
تذوق اللبنانيون طعم المماطلة، منذ فجر الإستقلال. وعدوا به ناجزا. وعدوا أن يدخلوا العصر ، أحرارا مستقلين. فراوغوهم، ومطلوهم وماطلوهم، فصاروا، تحت هذة القوى، أو تلك، غير مخيرين.
رسا بناء الدولة، على بعض الأحزاب. على بعض الشخصيات. على بعض الزعماء. فماطلوا الشعب ومطلوه، ولم يبنوا له دولة، ولا “أنجز حرهم، ما وعد”.
مضى اللبنانيون العقد تلو العقد، وهم ينتظرون الإيفاء بالعهود: بناء الدولة الديمقراطية. بناء العدالة الإجتماعية. بناء الحريات الإجتماعية. فخابوا على كل الصعد. فبان المماطلون، “ودامت سنة اللؤماء”.
في كل موسم، يعود اللبنانيون من جديد، لتجرع كأس المماطلة.
يصطفون أمام زعمائهم، وهم يحدثونهم عن المشاريع التنموية التي يعدونهم بها. وعن النزاهة والكفاءة. وعن الرجل المناسب في المكان المناسب. يحدثونهم عن “اللبن والعسل”. وعن “لبن العصفور”. وعن الجنات والجنائن على مد النظر. ثم يأخذون بالمماطلة، حتى يسرقوا منهم نعالهم. حتى يسرقوا منهم أكفهم. حتى يسرقوا منهم ودائعهم و”قجة العمر”.
وصل اللبنانيون مؤخرا إلى قمة اليأس. ما عادوا يصدقون الوعود المقطوعة لهم.ما عادوا يصدقون، الأراجيف ولا الأكاذيب، التي تنهال على مسامعهم، مثل: الكهرباء24/24. وإزدهار المرافق. وتقدم النمو. و”النوم وأبوابهم مفتوحة”. وبناء دولة القانون، والرفاه . وصيد السمك، بصنانير من ذهب.
اللبنانيون اليوم يتجرعون كأس المماطلة بإمتياز. يمطلون على الناس في تشكيل الحكومة. يختلقون الأعذار الواهية. يختلقون الحلول الوهمية. يختبئون حول الحجج الواهية .
ترهم يمطلونهم ويماطلونهم، حتى وصلت الأمور إلى مخانقهم.
لم تعد مماطلتهم خفية على الناس، حتى في موضوع تشكيل الحكومة.
فهم يقطعون الوقت أمامهم مرحلة مرحلة. يريدون أن يصلوا إلى إستحقاق الإنتخابات النيابة، بحكومة من غير المرشحين للمجلس النيابي. يقولون عندها، لجميع رؤساء التيارات السياسية، ولجميع الطامحين في التوزير وفي الوزارة: “كش ملك”.
تعود اللبنازيون تجرع “كأس المماطلة”. هذة المرة، صارت اللعبة مكشوفة. وصار اللاعبون مكشوفين. فلا وزارة مستقلين. ولا وزارة إختصاصيين. ولا وزارة من خارج التيارات السياسية، وإنما المطلوب عندهم: وزارة تشرف على الإنتخابات النيابية.