رقعة شمس
العتمة تغرق لبنان من أقصاه إلى أقصاه. لكنه لا يزال يتطلع إلى الشمس. صار في قعر الهاوية. لكنه لا يزال يتطلع إلى الشمس. سفت عليه الرمال من كل جانب، لكنه لا يزال يعربش نحو الشمس. أغرقته أمواج البحار، لكنه لا يزال يبحث عن رقعة شمس.
لبنان يعيش على الأمل. يبحث عنه في الديجور، إذا غاب النور. يبحث عنه في تكايا الورد.
لبنان لا يموت، إذا ما حبسوا عنه الماء والهواء. لأنه يتطلع دوما إلى رقعة الشمس.
وطن التفاؤل لبنان. وطن الأمل. يعيش يومه، غارقا في أثماله. غارقا في بأسائه. غارقا في همومه. لكن قلبه يظل يرقب موعد بزوغ الشمس.
لبنان صفحة من التاريخ. لبنان قطعة من الجغرافيا. لكنه رقعة من الشمس.
كل حروب الأرض مرت بأرضه. كل الجيوش. كل الجحافل. كل الأمم. لكنه كان تميمة من شمس.
ما شهدت بلاد من الجور والظلم، ما شهده لبنان. ما عرفت بلاد جميع وجوه القهر، مثلما عرف لبنان. صارت دياره مناحة. صارت داراته معازف الأنس والجن. لكنه ظل يعشق الشمس.
بين لبنان والشمس، هياكل بعلبك، وهياكل جبيل، وأعمدة صور، وتلة عرقة، وجبل الريحان وجبل صنين، وأرز عكار وبشري وجاج. وأرز الشوف وتنورين.
لبنان، إذا ما نسته الشمس، سار خلفها: طفلا يتبع خطى أمه، حتى تلامس راحتاه، شعرها الذهبي، أو يبيت على أمل.
لا تستطيع قوة في الأرض، أن تسلب لبنان تعلقه بالحرية، تمسكه بالشمس. شبابه نشأوا على ذلك، منذ أول العهد. ولا زالوا على عهدهم. على نهجهم: يعشقون الحرية، ويتلفحون برقعة الشمس.
أمس، خرج شباب لبنان، وبأيديهم القناديل والمشاعل، إلى أرض المرفأ، يفتشون عن الحقيقة، في عز الظهيرة.
عثروا على رقعة شمس، طارت من الهول غب الإنفجار الرهيب في الرابع من آب. حملوها وطاروا بها خلف الجناة.
رأوا غرماءهم يختبئون تحت قبة الشعب، فأثاروهم، وعروهم للشمس.
اللبنانيون لا ينامون على ضيم. لا ينامون، مهما ثقل عليهم الليل.
اللبنانيون لا ينسون ولا يهملون، مهما طال بهم الوقت، ومهما إشتدت عليهم الظلمة. ومهما إشتد بهم القهر.
اللبنانيون، يعودون كل ليلة من ترب الشهداء، يعدون على أصابع أيديهم، لصوص الهيكل وسراقه. يتبعونهم بأنفاس الشهداء، حتى حجورهم، حتى جحورهم، حتى سرير المبيت.
اللبنانيون، يحيون ليالي قهرهم. ليالي موتهم اليومي في طوابير الذل، وبأيديهم رقعة شمس، يحرقون بها أذيال المجرمين، قبل أن يدفعوا بهم، إلى وديان الجحيم.