ورنيش الصخور
تتحدث الدراسات والأبحاث العلمية، عن أن المنغنيز المكتنز في الغبار ، إنما يكون في شكل جزئيات، تستخدمه الباكتيريا المسماة “كروكوكيديوبسيس-Chroococcidiopsis”، لمكافحة الآثار المؤكسدة للشمس، فيؤدي ذلك إلى ترسب المنغنيز على الصخور، مخلفا الطلاء الذي يعرف ب”ورنيش الصخور”.
تحت هذا “الورنيش”، عثر علماء الأركيولوجيا، على قصائد شعرية محفورة على الصخور، وعلى كتابات تؤرخ للحوادث التاريخية. وعلى صور ورسوم للأشخاص وللحيوانات والطيور.
هذة النقوش التي حفرها الإنسان في مختلف العصور، وفي جميع البلدان، وبجميع الأساليب والحروف والأقلام واللغات، تكفل الورنيش بتغطيتها وحفظها وصونها، فقادت العلماء والباحثين والدارسين، للكشف عن وجوه الحضارة التي سادت في تلك المناطق، وعن الكثير من المعالم التاريخية الهامة، التي شكلت البوصلة، لكتابة تاريخ البلدان.
هكذا تعاونت الطبيعة مع الإنسان، لحفظ آثاره وأسراره. فكانت الصخور هي الألواح الطبيعية، التي حفظت العلوم والفنون، وأرخت لجميع حقبات الأزمنة.
على صخور شبه الجزيرة العربية، وتحت طبقة من الورنيش، يقوم العلماء بالكشف عن تاريخ البلاد، وعن أهم الحقبات التي مرت بها، خصوصا في فترة ما قبل الميلاد.
حفظ “ورنيش الصخور” إذن، سجلات البلدان. فطبقات الشعر تتراكم فوق بعضها. وطبقات الرسوم، تتراكم أيضا فوق بعضها. وكذلك الحروف واللغات. وهذا ما يجعل البلدان، تتجلى في أعظم صورها.
يقود علماء الآثار اليوم، أعظم حملة علمية إستكشافية في شبه الجزيرة العربية وخصوصا، في منطقة “العلا”، في المملكة العربية السعودية. بتوجيه من السلطات الرسمية في البلاد.
هكذا نجد الكثير من الأحافير المنقوشة على الصخر، مغطاة بطبقة من “الورنيش”، تقص علينا حياة الشعراء والأدباء، وخصوصا منهم أصحاب المعلقات.
وهناك روايات كثيرة، تتحدث، عن أن المعلقات، كانت قد نقشت على الصخر أولا، ثم قطعت عنها، وحملت وعلقت على جدران الكعبة.
يمكن أن تشكل هذة الرواية الأركولوجية، التاريخ المبكرة لكتابة القصيدة/ المعلقة، على الصخر. ويمكن أن يشكل “ورنيش الصخور”، أول تزيين فني طبيعي، ظهر على المعلقات، بحيث عظموها، و إستحسنوا بعد ذلك تعليقها، على جدران الكعبة. فكان “ورنيش الصخور”، قد دخل التاريخ الذهبي القداسوي، لأول مرة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية