معرفة.. من وراء الكمّامة!
في عصر يوم من أيام هذا العام الكوروني الثاني، في ساو باولو، وبينما كنت أتجول سيرًا على الأقدام على أحد أرصفة هذه المدينة -مدينتي- استوقفتني امرأة قصيرة القامة، شيئًا ما بدينة، سمراء البشرة، خلاسية الملامح، كأنها بنت زهاء ثلاثين عاما، استوقفتني فجأة بنداء “دكتور”، باللغة البرتغالية، حيث يحذف منه حرف الكاف، فيصبح “دوتور”. وأقبلت نحوي هاشّةً باشّةً.
- ” أنا روبيرتا. عملت معك في المكان الفلاني في مدينة ساو باولو منذ حوالي عشرة أعوام. هل تذكرني حضرتك؟”
- ” آه تذكرتك. تذكرتك. أرجو المعذرة لعدم قدرتي على استحضار اسمك من الذاكرة بغير تذكير منك. فقد مضت سنون طويلة منذ قدّمتُ استقالتي من ذلك العمل. لكنني منبهر ومتفاجئ، كيف استطعتِ التعرف على ملامحي من وراء الكمّامة؟”
- “يا دكتور، ملامحك مميَّزة، وأنت لم تتغير شيئًا تقريبا بعد مضيّ هذا العقد من الزمن.”
- “ما اخبار فلان وفلانة، والدكتورة رئيسة الأطباء؟” (سألتها عن رئيستي السابقة، وفي داخلي حدس يقول لي أنها قد تكون توفيت، لأنها في ذلك الحين كانت مسنة).
- “الدكتورة ماريا إيلينا توفيت منذ شهور قليلة بالسرطان على ما أظنّ. فلان وفلان خرجوا ولم يبق إلا القليل من طاقم العمل الذي كان موجودا في أيامك.”
- “اسعدني لقاؤك وبهرتني قدرتك على التعرف عليّ من وراء الكمامة. سلّمي لي على من تبقى من الزملاء السابقين هناك. أنا اليوم تغيّر اختصاصي كليًا وأعمل حصريا في مجال التشخيص، فاختصاصي هو علم الأمراض. ولكنني أتذكر بحنين أيام بداياتي في الطب، وعملي في ذلك المكان ينتمي الى تلك البدايات.”
- “ظننتُ أن حضرتك كنت قد عدت إلى بلادك.”
- “أجل إنني حاولت العودة، لكن الأحوال في بلادي سيئة، لذلك عدت أدراجي إلى البرازيل.”
- “أسعدني لقاؤك جدًّا يا دكتور.”
- “وأنا كذلك سعدتُ جدا بلقائك. رافقتك السلامة.”