الرحلة الطويلة
في ولاية تكساس، هذة الولاية الشاسعة، تم إبلاغ آخر العبيد فيها، في19 حزيران/ يونيو العام1865، إنتهاء زمن العبودية، وأنه لا عبودية بعد هذا التاريخ في أميركا. وأن العبيد أصبحوا أحرارا.
حقا كانت رحلة طويلة، دامت كل هذا الزمن الذي قطعته، منذ ذلك التاريخ، حتى 19 حزيران/ يونيو العام2021.
البارحة،( يوم الخميس)، 18/6/2021، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن، مشروع قانون، يقر، أن يوم التاسع عشر من حزيران/ يونيو، من كل عام، هو عيد رسمي، وطني، على المستوى الفيدرالي. وذلك إحياء لذكرى إنتهاء العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، بعتق آخر العبيد الأفارقة، في ولاية تكساس عام1865.
حقا،قطع مشروع القانون في الكونغرس، هذا الأسبوع، رحلة طويلة(1865- 2021): قطع زهاء مئة وخمسا وستين عاما، حتى تسنى له أن يبصر النور.
في السنة الأولى، من ولاية الرئيس جو بايدن، هنيئا للإدارة الأميركية هذا الإنجاز العظيم: أن يمر مشروع القانون، للإحتفال بعيد تحرير العبيد. بعيد الحرية بتوافق نادر حدوثه، بين الحزبين: الجمهوري والديمقراطي، بأغلبية415 صوتا مؤيدا للمشروع، وبإعتراض14 صوتا فقط.
إن إقرار العطلة الرسمية الوطنية ، على المستوى الفديرالي للولايات، بعدما كان عيد تحرير العبيد، في تكساس وحدها، تعتبر أكثر من بادرة مهمة، تعتبر اكثر من إنجاز وطني في عهد الرئيس جو بايدن، للإعتراف بمعاناة من رزحوا تحت طغيان العبودية، أو وقعوا في براثنها، في يوم من الأيام، داخل الولايات المتحدة الأميركية، أو خارجها.
الرئيس جو بايدن حقا، أيقظ بمبادرته، الحرية. أيقظها لجميع العبيد، في الولايات المتحدة. التي تأخرت رحلتها، أكثر من مئة وخمسين عاما ونيف. وهو وسام شرف، يعلق على صدره. إستحقه بجدارة، حين تأخر عن تحقيقه، جميع الرؤساء السابقين.
من نافل القول، أن الخطوة التي خطاها الرئيس جو بايدن، على هذا الصعيد، إنما تأتي إستكمالا لما أقره مجلس الكونغرس، في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير،1983 لإحياء ذكرى مارتن لوثر كينغ، زعيم الحقوق المدنية، الذي تم إغتياله في الرابع من نيسان/ إبريل، عام1968.
فقبيل وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، أي في أواخر الفترة الرئاسية للرئيس دونالد ترمب، تزايدت المطالبات بإقرار إنتهاء العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا بعد مقتل الأميركي الأسود “جورج فلويد”، على يد شرطي أبيض، وذلك في25أيار/ مايو2020.
الرئيس جو بايدن، إنما هو من طينة الرئيس الأميركي الأول إبراهام لينكولن، الذي نادى بتحرير العبيد، خلال الحرب الأهلية الأميركية. والذي وقع إعلان تحرير العبيد في الأول من يناير1863.
لكن العبودية ، كانت قد إستمرت طيلة الحرب الأهلية(1861-1865)، في جميع الولايات الكونفدرالية الجنوبية. ولكن بعد أن وقع قائد الجيش الكونفدرالي إستسلامه في التاسع من نيسان/ إبريل1865، وتبلغت السلطات في تكساس، إعلان تحرير العبيد بأمر من الرئيس، إبراهام لينكولن، إستغرق وصول النبأ السعيد، أكثر من شهرين، إلى بلدة “غالفستون” الصغيرة، في ولاية تكساس في19/6/1865.
ونتيجة لذلك، تم التصديق على التعديل الثالث عشر لدستور الولايات المتحدة، في كانون الأول/ ديسمبر1865 بإلغاء العبودية، في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
البارحة، إلتقط الرئيس جو بايدن برهته. وقع للمرة الأخيرة وإلى الأبد في تاريخ الولايات المتحدة، مشروع قانون العطلة الرسمية والوطنية، في ذكرى إلغاء العبودية في الولايات المتحدة، وإنتهائها، في جميع الولايات، بعد مضي أكثر من مئة وخمسين عاما عليها.
البارحة، قالت شيلا جاكسون لي، النائب الديمقراطية، وهي من البرلمانيين الذين تقدموا بمشروع القانون، : إن ” هذا اليوم، يمثل الحرية”.
تحدثت شيلا جاكسون لي، وهي سوداء، أمام صورة رجل أسود، بدا ظهره ممزقا بالجروح، عن “الرحلة الطويلة” التي أفضت إلى التصويت. أما السيناتور الجمهوري جون كورنين، الذي كان يشاركها تقديم المشروع، فكتب: إن ” الإعتراف بأخطاء الماضي والتعلم منها، أمر ضروري للمضي قدما”.
والجدير ذكره، أن كلا النائبين البرلمانيين، إنما يمثلان تكساس، في مجلس الكونغرس.
رائعة الرئيس جو بايدن التي تجلت في موقفه التاريخي هذا، البارحة، ربما إستكمله في مشروعه العالمي الأوسع، لنصرة المضطهدين في الأرض. لنصرة المعذبين في الأرض. فغير كثير عليه، وهو المعروف، برقته وصبره وحلمه، وطول أناته، أن يقطع الرحلة الأطول، في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، لا الطويلة فقط، في سبيل تحرير الإنسانية من الطغاة والمستعبدين. بل من طغاتها المعاصرين.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية