الملح…الذهب الابيض
( بقلم الكاتبة ميشلين مبارك )
-×-×-×-×
نشرت مجلة ” الأمن ” في عددها الأخير الصادر في بيروت دراسة للكاتبة ميشلين مبارك.حملت عنوان ” الملح …الذهب الأبيض ” وجاء فيها :
أنفه المدينة اللبنانية الجميلة على الساحل اللبناني الشمالي، تزخر بمعالمها الطبيعية وآثاراتها التاريخية، إلاّ أنّ أبرز ما يلفت نظر المّار من هناك: الملاحات وزهرة الملح التي تظهر عائمة على سطح مياه الاجران خاصة في شهري أيار وحزيران، ليس في أنفه فحسب إنما في فيع ودده وغيرها.
عبر التاريخ، تمّ إكتشاف الملح بطريقة طبيعية وهو ليس من إختراع الانسان بل من عطاء الله للانسان. فالفنيقيون اكتشفوا تلك المادة البيضاء في جور الطبيعة القريبة من البحر، عملوا على استخراجها ليس لطعمها فحسب بل لفائدتها في حفظ الاطعمة من الفساد لاسيما أثناء السفر. وقد استعملوا الملح لاحقا في الصباغ الارجواني.
في زيارة الى أنفه للتمتع بهذا الجمال الطبيعي، وفي لقاء مع مجلة الامن، يحدثنا الخبير في الموضوع وأحد أصحاب ملاحات أنفه الاستاذ حافظ جريج، بأنّ “الملح أو كما يسمونه كبارنا الذهب الابيض، له طريقة معينة لتجميعه، في الماضي، كانت النساء، في شمال لبنان، تملىء الدلو من مياه البحر وتسكبه في الاجران، الامر الذي يكبدها جهدًا كبيرًا ووقتا أطول للحصول على الذهب الابيض. إلاّ أنه، وفي منتصف القرن الماضي، وأثناء زيارة عالم روسي لمنطقة أنفه، نصح بإنشاء دولايب الهواء التي تسكب مياه البحر في الاجران، ليتم فيما بعد استخراج الملح.
ولملح البحر في أنفه ثلاثة أنواع: الملح الثقيل والملح المرّ الذين يتم التخلص منهما، حتى الحصول أخيرا على الملح المستهلك. في المحصلة، كل مئة ليتر من مياه البحر يعطي 3 كيلو ملحا غير إقتصاديا”. ونسأل جريج ما قصة زهرة الملح التي نراها في أيار وحزيران بشكل خاص عائمة على وجه المياه. فيقول بأنه عندما تمتلىء الاجران من البحر، ويكون الهواء ناشفا كليا، تتبخر المياه على حرارة معينة للشمس عندها تتشكل زهرة الملح الرقيقة التي تأتي نتيجة التبخر الثاني كبساط رائع من الازهار البيضاء، ويمكن قطفها وتجميعها في سلال القش.
لا شك بأنّ الملح في لبنان أنواع عدة، الملح الخشن المعروف والمستعمل عادة في الكبيس، الملح المتوسط الخشونة الغير مستعمل في الصناعات الغذائية الا عند تكريره، ملح اليود، إضافة الى ملح الطعام أو الملح الناعم فخر لبنان. وهذا الاخير يتضمن بدوره أصنافا عدة.
في أنفه، تشعر بأنّ علاقة الملاحين مع البحر هي علاقة شغف وأصالة ممزوجة بالمرارة والخيبة في بعض الاحيان، فالملح هو مورد رزقهم الوحيد، هو الذي أطعمهم وخرّج أبنائهم أطباء ومعلمين. سكان المنطقة عملوا بالملاحات التي ورثوها عن أهلهم، هم اليوم يواجهون مشاكل جمة للمحافظة على تاريخ الملح اللبناني، مشاكل تطرح نفسها على الصعيدين الشخصي والعام: أهمها هجرة أبنائهم نظرا لمحدودية دخل الملح مما ينعكس سلبا على توريث تلك المصلحة وبالتالي قلة اليد العاملة فيها.
إضافة الى المشاكل العامة التي تعتبر أشد ثقلا على إنتاج الملح اللبناني لاسيما عند رفع الضريبة على الملح المستورد ليصبح هذا الاخير أرخص من الملح المحلي. ناهيك عن صعوبة الحصول على التراخيص لترميم وصيانة الملاحات بحسب ما أخبرنا الاستاذ حافظ جريج، على الرغم من أنّ مساحتها تقلصت نسبة لما كانت عليه في السابق.
الملح ثروة لبنان البيضاء، وفي بحث سريع على الانترنت عن فوائد الملح ليس فقط للطعام بل لجسم الانسان، نرى بأنّ الملح مفيد جدا لاحتقان الانف، وفي معالجة إلتهاب اللثة وتورم الارجل، لتوزان الصوديم في الجسم، كما لمعالجة الصدفية أو الاكزيما وغيرها العديد من الامور… ويبقى الشعور بالدهشة وتخزين الطاقة الايجابية لديك أيها القارىء، فعليك ان ترى بأمّ العين الذهب الابيض الممتد على طول الساحل الشمالي للبنان.