التاريخ: 31/05/2021
المقال رقم 21/2021
الرحلــة العجيبــة وخمـــار أم معـــروف
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
“موطني موطني…الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك…والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك…”
فأنا المولهة عشقاً بك يا موطني…نسيج الأرض وروح الحياة…
نشيد موطني ليس فقط مجرد نشيد بالنسبة لي، لطالما أجهشت بالبكاء عند سماعه وغنيته بصوتي الذي يضيق قهراً من ظلم الإحتلال وظلم التشويه وتقسيم منطقتنا الواحدة بلاد الشام. نعم. فهذا النشيد يعني لي دمائي المختلطة – الواحدة. إنه أنا.
نشيد موطني الشهير كتبه الشاعر الفلسطيني الشهير إبراهيم طوقان ولحنه الأخوين فليفل اللبنانيين. وأنا، تلك الإبنة التي تعشق جذورها من أب فلسطيني من عروس فلسطين يافا وأم لبنانية من روح أرض لبنان. كالنشيد تماماً.
حكايتي اليوم، عن رحلتي في أرض جبيل التي أرى فيها يافاي وكل فلسطين الساحلية العريقة وأتنشق فيها عبير التاريخ وأصالته. أسميتها الرحلة العجيبة بعد عناء ومشقة الأنفس وإصرار على عدم قدرتي بالذهاب. أخي يعاني من مرض الكورونا في المستشفى وفي قارة أخرى وأنا أختنق قهراً عليه…لم أرد أن أذهب لولا إصرار صديقاتي بالذهاب. فذهبت….
عانقت بحري وتكلمت مع العراقة وركضت في الأسواق التي لطالما أشعلت في قلبي بهجة الحياة….غنيت مع عازف العود في الساحة، أخذت صوراً هنا وهناك إلى أن وصلت إلى ….معرض الفنون والتراثيات! جننت ورحت أركض أريد الدخول حيث روحي تتواجد وتنطلق معلنة الفرح وتجاوز كل المنغصات…وجدت في المعرض طاولة الصابون! فهل تتذكرون مقالتي عن عشقي للصابون وأبي له الرحمة، وعن دكان الصابون بسيدته الكريمة ابنة مدينتي يافا الفلسطينية، عليا أبو شميس، والإصرار على إثبات الوجود، بعنوان “صابون يرشح حبا”؟ نعم…وجدت سيدة لبنانية توزع عطر بلادنا بالصابون أيضا وبهذا أكون قد عدلت ما بين جذوري، الفلسطينية واللبنانية معاً حتى لو كانوا في الأصل منطقة واحدة قبل أي استعمار وقتل وتشريد وتزوير.
آه على دمائي تلك، كم أعشق فيها رونق بلادي وكم أنا سريعة البكاء من الوجد. سافرت إلى بلاد متنوعة لكنني لم أرد إلا أن أكون سجينة بلادي حتى لو عانيت فيها الأمرين. إنها تستحق العناء والتضحية وكما قال شاعرنا الفذ محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة…
رحلتي العجيبة تلك، عرفتني على خليلة روحي، شعرت أنها من الحكمة الإلهية والرحمة التي اتصف الخالق بها ليحتوي خلقه بكل محبة ومودة ولين…تعرفت على بائعة الصابون ابنة لبنان الحبيب، رنا منير كسرواني.
رحت أسألها عن الصابون وأصر عليها على أهمية عدم احتوائه إلا على طبيعة بلادنا دون أي كيماويات…وهكذا كان! فاشتريت واشتريت (زبطيلي الأسعار أنت عارفة مجازر بلادنا والأوضاع)، وتحادثنا والتقت أرواحنا وتعارفنا وأعطيتها رقمي لكي نبقى على تواصل وأعتمد على شراء الصابون من جعبتها المقدسة. لغة عصرنا هو ذاك ال”جوال” فكل ما لدينا من حياة يكون عبره، نسميه “موبايل”، “تلفون”، الخ…المهم استعملنا تطبيق “الواتساب”…عدت إلى البيت بعد رحلة طويلة، فوجدت أنها أرسلت لي رسالة مع اسمها دون اسم عائلتها لكي أحفظ الرقم. قلت لها هل تريدين مني أن أحفظ اسمك باسم الصابون دون عائلة؟ هل عائلتك هي الصابون مازحة؟ فأرسلت إلي اسم عائلتها الكريمة….بعد حوار سويا وعلمها أني فلسطينية، تداولنا معاً عشقنا لفلسطين….ثم كانت المفاجأة الكبرى، إنها ابنة المسرحي الذي تربيت على مسرحه وفنه العميق، الحبيب منير كسرواني! فقالت لي: “أنا ابنة منير وندى وأنا الطفل الأول لهما. استفقت على أجواء فنية بحتة، عل أب يلهو على خشبة المسرح ويضحك الصغار والكبار في مسرحية “زرزور” ولكني كنت غير مدركة تماما لما يجري بينما كنت متعجبة ومذهولة حتى كبرت قليلا وبلغت سن الخامسة من عمري فطلبت من والدي أن ألعب دور الساحرة الجيدة التي ترقص الباليه لأنني لم أستطع متابعة صفوف الرقص بسبب اندلاع الحرب وقتذاك فوافق على انتسابي للعرض. وهكذا بدأت بمسيرتي التمثيلية. منذ ذلك الوقت لا أذكر أي نزهة في السيارة مع أهلي دون أن يرافقه درس لدور جديد و حفظ لا نهاية له لدرجة الملل أحيانا. يمكن أن أقول بأن طفولتي كانت بمثابة مهرجان متواصل، فيه اضواء المسارح الساخنة، بجرعات الأدرينالين خلف الكواليس، واكتشاف عظمة التمثيل….”
أجبتها هو أباك الذي جعل شعاري عندما أنتقد بلادنا ومجتمعاتنا: “فلت الملق” …حضرت مسرحيته تلك في صغري ولطالما أثَر بي…التقت بنات وحفيدات عائلتينا الكريمات بكل ما تشكله من نبض وطني وزخم ثقافي وحضاري واقتصادي. فصار صابون فلسطينتي يدلل صابون لبناني وأنا الذائبة ما بينهما….
هل صابون بلادنا يمثل صابونا فحسب؟ هل لقاء الأحرار أتى من سراب؟ هل قبولي للذهاب في تلك الرحلة العجيبة لا يشكل أي معنى؟ إنها الرحلة العجيبة ولكن خمار أم معروف هو الحرية هو اجتماع الدماء التي أصرَ كل محتل على تقسيمها مع أنها واحد…هو امتداد للعبير والنسيم وللرحيق النادر…فأم معروف، تعرف تماماً عن حقيقة ما حصل في التاريخ الأسود، ففلسطين ولبنان وسوريا والاردن كلهم واحد ونحن واحد. إسألوا صابون بلادنا، سيقول لكم هذا.
والآن أكون قد أرضيت أمي اللبنانية والتي أنجبت فلسطينيين، فلطالما ثارت من أجل بقاء علمنا الفلسطيني شامخاً متجاوزة كل أنواع القيود…وهكذا أنا…مع دمائي تلك وإعلاني أن صابوننا واحد.
أكيد صابوننا واحد ودماؤنا واحدة وقلوبنا واحدة اللهم وحد صفوفنا ووحد كلمتنا يا رب وادحر الغاصب المحتل عن كل اراضينا
يسلمو ايديك على الكتابة الرائعة
شكرا كتير كتير عالمقال يللي كلو حب و اناقة وحقيقية و بساطةو وجدانية .. انت فعلا رائعة و تستحقين لقب كاتبة بكل جدارة، ذكرتيني ب Albert Camus 😊
ونعم صابونا واحد
سرد جميل ذكرني بالأستاذ فليفل الذي منه تعلمت الأناشيد الوطنية بالمدرسة ، والأستاذ منير كسرواني المسرحي الظريف الهادف ، وصف وجداني للشعور بالبعد عن الوطن والشوق اليه والصابون اللبناني الذي احست الكاتبة بالذوبان بينه وبين صابوت فلسطين .
تحياتي.
صابوننا واحد يغسل قلوبنا يزيل عنها العتمه والقازورات ويجمعنا بطهارة قلوبنا خاليين من الاوبئه الدخيله مقال مفعم بالحب
الشكر لكم جميعاً ولتعليقاتكم المهيبة وحسكم الوطني المشرف.
والشكر كل الشكر لانشودة الصابون السيدة رنا كسرواني🌷