..تلا رئيس اللجنة التحكيمية للجائزة العالمية للرواية العربية ( البوكر ) الشاعر اللبناني شوقي بزيع البيان الختامي للاعلان عن الفائز ..وقال الشاعر بزيع :
الفصول الستة لكوميديا الخسارات والسموم السوداء
رابح واحد وخمسة فائزين
البيان الختامي للجائزة العالمية
للرواية العربية ( البوكر)
ليس لي وأنا أتلفت بالقلب نحو بداية هذه الرحلة الفريدة التي استوجب قطعها أشهرا” وأسابيع طويلة من العمل الشاق , إلا أن أخص بالتحية زملائي الأربعة , الذين ارتضوا بالكثير من الايثار والتجرد المعرفي والأخلاقي , أن يتنكبوا معي عناء هذه المجازفة الصعبة والمليئة بالمكابدات . كما أخص بتحيةٍ مماثلة الصديق والمثقف النبيل ياسر سليمان ومعه أعضاء مجلس الأمناء , على حسْن تعاونهم وعلى ما وفروه للجائزة من أسباب الحرية والاستقلالية التامة وسمو الأهداف , الأمر الذي حوّلها الى واحدة من أهم الجوائز العربية والعالمية المعاصرة . وهو ما واكبته وسهرت على وصوله الى مبتغاه منسقة الجائزة وملاكها الحارس الصديقة العزيزة فلور مونتانارو .
إلا أنني أود أن أستسمح الجميع , قراءً وكتاباً وناشرين وقيمين على شؤون الجائزة , بالقول إن ما أشرت إليه في بيان القائمة القصيرة حول المستوى المتميز للكثير من الأعمال المرشحة , لا يحول بالمقابل دون التوقف عند نقطتين هامتين , تتصل إحداهما بالاقبال المتزايد على كتابة الرواية من قبل البعض , لا لأنهم يمتلكون الموهبة والقدرة على تنكب هذه المغامرة المحفوفة بالمزالق , بل بهدف الالتحاق العشوائي بموسم الهجرة الى الرواية , بغية الحصول عبر الجوائز على ما تيسر من المكاسب المادية والمعنوية المطلوبة . أما النقطة الأخرى فتتعلق بوفرة الأخطاء النحوية والصرفية والاملائية التي تزخر بها نسبة غير قليلة من الأعمال المرشحة , بما يحملنا على استهجان هذا التفريط الفادح بلغة الضاد , والذي يتشارك في حمل أوزاره مؤلف منهمك في اللحاق بموعد ” الغنيمة ” , وناشر مهجوس بجني الأرباح ومضاعفة المبيعات , دون أن يكلف الأول نفسه عناء التمرس بلغته الأم , ودون أن يجازف الثاني , تقليصاً لبعض النفقات , بإيلاء هذه المهمة الى مدقق بارع يتولى تحرير العمل وتنقيحه من الأخطاء والشوائب قبل دفعه الى المطبعة .
وإذا كانت الجائزة العالمية للرواية العربية غير مسؤولة بالطبع عن هذا القدر من الاستسهال والفوضى اللذين لا يطالان أدب السرد بمفرده , بل ينسحبان على سائر الفنون والأنواع الأدبية , إلا أن عليها بالمقابل أن تُظهر قدراً أكبر من التشدد إزاء ما يردها من أعمال , بحيث لايُقبل من الترشيحات إلا ما يستوفي الحد المعقول من الشروط الفنية والأسلوبية . فالجوائز لم توجد بالأساس إلا لتكون مكافأة العدّائين الكبار على نجاحهم الباهر في الوصول بشعلة الابداع الى ” أولمب ” الفرادة والتميز والمجازفة القصوى , وهي لم تكن أبداً , ولا ينبغي لها أن تكون , منصة للرداءة والشهرة الزائفة والوجاهة الأدبية والاجتماعية .
وإذا كنت أدعو في هذا السياق الى حرمان دور النشر , المتضامنة مع الركاكة والتسطيح المعرفي , من تقديم ترشيحاتها للجائزة لدورات عدة تحددها لجان التحكيم أو هيئة أخرى متخصصة , فإن من موجبات النزاهة والانصاف أن أشير بالمقابل الى الجزء الآخر والايجابي من الصورة , والذي تكفّل بصناعته ناشرون مثقفون , عملوا بدأب ملحوظ على تحويل هذا القطاع الى مهنة شريفة , آخذين على عاتقهم تزويد القارئ العربي بكل ما يوسّع مداركه ويضعه في قلب العصر وصميمه .
لا يسعني أخيراً , وقبل الاعلان عن الرواية الفائزة , سوى التنويه بأن وصول المحكمين الخمسة الى ما خلصوا إليه من نتائج لم يكن بالأمر اليسيرعلى الاطلاق , بل كان ثمرة تفحص عميق للأعمال المرشحة , وحصيلة مقارنات صعبة فيما بينها , جعلتنا نعيد قراءة بعضها غير مرة , ومع كل محطة من محطات الجائزة الثلاث , دفعاً لأي التباس في التقدير أو تسرع في إعطاء الأحكام .ولأن الحقيقة الفنية مخاتلة وحمالة أوجه , فإن المخاض الطويل الذي سبق النتائج , لم تقتصر صعوبته على تعدد وجهات النظر بين المحكمين فحسب , بل كان يستدعي في بعض الأحيان عراكاً شديداً مع النفس , و” انشقاقاً ” لبعضها عن البعض الآخر . ولعل ما زاد من صعوبة المهمة الملقاة على عاتقنا , وبخاصة في مرحلة الاختيار النهائي , كان التقارب الشديد في مستويات الأعمال الستة الأخيرة , سواء على الصعد الفنية والأسلوبية أو على صعد الموضوعات والهواجس والاشكاليات الاجتماعية والسياسية والانسانية التي جعلت من هذه الأعمال تبدو وكأنها سداسية سردية متكاملة, أو كوميديا سوداء تحاول عبر فصول ستة أن تتقصى ببراعة وجهد, ملامح الواقع العربي المثخن بالفساد والجهل والفقر والعنف الاستئصالي .
وقد تكون الميزة الأهم للعمل الفائز , فضلاً عن لغته العالية وحبكته المحكمة والمشوقة , هي قدرته الفائقة على تعرية ذلك الواقع الكارثي من أقنعته المختلفة , حيث في الدرك الأسفل من الهاوية يقدم المؤلف أشد البورتريهات قتامة عن عالم التشرد والفقر واختلاط العقل وفقدان المعنى واقتلاع الأمل من جذوره , بما يحول الحياة الى أرخبيل من الكوابيس يفصل بين محاولتين فاشلتين للانتحار
.
أما الرواية الفائزة لهذه الدورة , وبناء على كل ما تقدم من أسباب وتوضيحات ومسوغات , فهي ” دفاتر الوراق ” للكاتب الأردني جلال برجس , والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
شوقي بزيع / رئيس لجنة التحكيم
( يذكر ان لجنة التحكيم التي يرأسها الشاعر شوقي بزيع كانت تضم في عضويتها : صفاء جبران، (أستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة ساو باولو، البرازيل)؛ ومحمد آيت حنّا، (كاتب ومترجم مغربي)؛ وعلي المقري (كاتب يمني)؛ وعائشة سلطان،نائب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات) .
سؤال فقط : دفاتر الرواق أم دفاتر الوراق
المؤكد : دفاتر