التحرر أقوى
لو لم يكن التحرر أقوى، في نفوس اللبنانيين، لما خرج المحتل، وتراجع إلى المزارع والتلال، بلا شروط، ومن طرف واحد.
كان المحتل أضعف بكثير من إرادة اللبنانيين في التحرر. كان التحرر أقوى في نفوسهم، ولذلك خاب المحتل في لبنان، وتراجع إلى المزارع والتلال، “خاسئا وهو حسير.”
عظمة اللبنانيين، أنهم كانوا ولا زالوا، أقوياء في نفوسهم. فلا يقوى على تطويعهم ولا على إذلالهم ولا على إحتلال بلادهم، غاصب أو محتل.
هذة هي سيرة اللبنانيين. هذة هي مسيرتهم، مع الحرية والتحرر والتحرير، منذ كان لبنان كيانا صغيرا، على شكل ممالك، أو على شكل إمارة. أو كيانا كبيرا على شكل جمهورية.
كثيرا ما أطمع لبنان الجيوش الجرارة، فما إستطاع أن يردها. ولكنه إستطاع أن يفتها.
نبع من العسكر يجتاحه من الشرق. نبع من العسكر يجتاحه من الغرب. ولكن لبنان، كان بالوعة الجيوش كلها. يجعل لها بين تضاريسه المانعة، دوارا عظيما لها، يستطيع أن يخفيها بثوان، عن وجه الأرض.
جحافل جرارة، وإمبراطوريات ما غابت عنها الشمس، وكواسر وسباع وذئاب وضواري، طمعت بلين عريكته، وأقامت صدرا من الزمن على أرضه، وأشلته بالدماء في كثير من الأوقات، غير أنها، سرعان ما إلتف عليها لبنان، وخيب فألها، وجعلها تهشل عنه، راضية من الغنيمة بالإياب.
التحرر أقوى لدى الأقوياء في نفوسهم. التحرر أقوى لدى اللبنانيين، لأنهم أقوياء في نفوسهم.
هكذا هم منذ أن إنغرسوا في هذة التربة المحروسة بالصخر. ومنذ أن إتخذوا من صخره قلاعا. ومنذ أن فجروا منه أنهارا: من لبن، ومن عسل.
التحرر أقوى في نفوس اللبنانيين، ولو أنهم تعرضوا لأطماع الجبابرة والطغاة. ولو أنهم تعرضوا لأطماع أعدائهم. ولو أنهم كانوا عرضة للمؤامرات.
عاشوا زمانهم كله في الحر والقر، وما إنكشفوا أمام العواصف التي تحوطتهم، كما تتحوط الريح الصرصر، صخور القلل.
كانوا أعند من الصخر على المحتلين والطامعين، لأنهم كانوا أقوياء في نفوسهم، وكانت عقيدة التحرر في نفوسهم هي الأقوى.
لبنان، في الخامس والعشرين من أيار، يضوئ لشهدائه القلال. يحمل الشعل إلى الروابي، يلتقط منها أنفاس الأبطال الذين أذابوا إرادة الإحتلال. الذين قهروا المحتلين والغاصبين والطامعين. وأذاقوهم مر الكأس، وردوا لهم الطعنة في النحر.
في الخامس والعشرين من شهر أيار، يقف لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ليقول للعالم بالفم الملآن: آن الأوان لتكفوا شروركم. لتوقفوا إعتداءاتكم ومؤامراتكم. لتلجموا أطماعكم.
لبنان ليس أرضا بلا شعب، كما تسوغون للمستعمرين، بل شوكة في حلوقهم. لبنان ليس سهلا على الإبتلاع. ليس سهلا على البلع.
لبنان يقول لجميع المعتدين عليه، من أهل الشرق ومن أهل الغرب، كفوا شروركم عني. إرفعوا أيديكم عن مقدرات أبناء شعبي.
في يوم التحرير، يقول لبنان للعالم القريب والبعيد: إن إرادة التحرر والتحرير هي الأقوى، لأن اللبنانيين فقط، أقوياء في نفوسهم.