《قميص الطين》
بقلم الشاعر خليل عاصي :
( لمناسبة 25 أيار ذكرى تحرير جنوب لبنان )
-×-×-×-×-×-
من قبل أنْ يولدَ الإنسان والوجعُ
وقبل أعمدةٍ للكون ترتفعُ
وقبل أنْ لغةٌ صاغت أجنَّتَها
وقبل أنْ تولدَ الأبصارُ والسَّمعُ
والناسُ! بعدُ كما الأفكار
سابحةٌ
مثل الوميضِ ببالِ الله تلتمعُ
وإذ بجرجٍ من الياقوتِ
راعفةٌ عيناهُ
والغائرُ المحمومُ لا يقعُ
جرحٌ شهيدٌ
بصدر العرش جبهتُه
وضفَّتاه لكلِّ الحبِّ تتَّسعُ
يداهُ !…
يا ليدٍ حناؤها شجرٌ من الإباء
غصونَ الخلد يفترعُ
كانوا شهودًا فأشهادًا
هم الشُهدا فمصطفَوْن
لغير الحقِّ ما ركعوا
فأومَأَ الله نحو الجمع، قال:
ألا كونوا البذار لهذا الطين …
فانزرعوا
هم الحقولُ
رداءُ الأرض ذا دمهم
وكلمَّا أنبتت من جلدها طلعوا
وما نلوذ بهم،
بل حينما عَصَفَت بنا الحتوفُ
على أبصارنا قَرَعوا
كنَّا ممزقةً فينا مطامحنا
لمَّا طريقًا على أحلامنا وقعوا
مقطَّعٌ غدُنا، لا وجه يشبهُه
بغير إبرتهم لم تُرتقِ القِطَعُ
تحشدوا رئةً، أنفاسُها لهبٌ
وصاعقَ الروح من أجسادِهم نزعوا
فعرّش النصر في كرسيّ أمتنا
وكلما وسِعَتْ كرسيُّه وَسِعوا
هم العصافير عند الصبح تُطرِبُنا
وفي المساء نجومًا فوقنا لمعوا
شمسٌ،
وليلُ الدُجى يأبى يمرُّ بهم
لو أعتمَ الحقُّ في أرجائه سطعوا
لحنٌ،
وصوت الإبا في الماء يعزفهم
نهرٌ،
وهم ضفتاه الجودُ والورعُ
بحران هم، كبُروا
بحرٌ به عَبرت مراكبُ العقل
لم ترجع..
وهم رجعوا
وبحر عاطفةٍ
أمواجُه مُهجٌ
إن مسًّنا ألمٌ أنقى دمٍ تَضَعُ
فكيف آلاءَهم بِتنا نكذبُها
وفيهُمُ مَرَجُ البحرين يجتمعُ
#٢٥_أيار_٢٠٠٠