.. رواية ” فرح مدينتنا ” للكاتبة اللبنانية منى نور الدين , صدرت عن دار الفارابي عام 2020 , ومنها نقتطف هذا المقطع :
وصلت إليه، جلست عند قبره، تجمعت فوق رأسها النسوة وبدأن البكاء، لكنها لم تكترث لصراخهن وكثرة دموعهن. هناك واجب عليها أن تؤديه وترحل. زرعت ياسمينتها عند قبره كمن تضع طفلها الرضيع عند باب ميتم وتهرب، قلبها خائف مرعوب لمصيره ولكن قدرها الهروب، الرحيل.
لم تكلمه، لم تعاتبه، لم تبكي، وكأن غضبها منه أقوى بكثير من حزنها عليه. هي لم تأتِ لتودعه ولا لتخبره برحيلها، هي جاءت لتزرع ياسمينتها وتمشي فقط.
صمتنا أحياناً أقوى عقاباً لأحبائنا، وهي أرادت معاقبته بلا دموع ولا كلام.
تركت ياسمينتها على عجل تشاركه تربته ومشت والنسوة يراقبنها متفاجئات مصدومات لصمتها، لجفاف دمعتها، لبرودة حزنها. نسوة مدينتنا اعتدن فيض المشاعر، هنَّ دائماً كطوفان مشاعر، لديهنَّ فائض حب وفائض حزن وفائض دمع وفائض زغاريد. لن يستوعبن كيف لأرملة عروس أن تأتي قبر زوجها دون أن تشق ثوبها أو تلطم خدّها حزناً عليه، هكذا اعتدن أن يعبرن عن حزنهن. لا يفهمن الحزن الصامت وهو كسرطان يأكل الجسد والروح على مهل. وفرح اختارت السكوت، الألم والموت بصمت.
أحياناً نكتفي من هذه الدنيا بشخص يعرف كيف يحضن الروح ويداويها, حتى ولو فرغت أيامنا من أحبتنا، وجوده وحده يشعرنا بالأمان. واكتفت فرح بجهادها، عروس لبضعة أشهر فقط عاشتها بين حب وسعادة وخوف وانتظار إلى أن مات البطل وأسدلت الستارة وتوزع الناس كل إلى عمله وبقيت هي جالسة تملأ في الفراغ نقطة تنتظر أن يقوم البطل ضاحكاً مثل عادته وهو يقول لها: جبانة.