من.مدونه ” شهرياد الكلام ” :
الكاتب والفايروس …
ميشلين مبارك : أكتب لأحيا
أتى فيروس كورونا ليغيّر العالم ، كأن الكرة الارضية بأكملها غطّت وجهها بكمامة، ليس برضاها بل رغماً عن القوة، والأسلحة النووية والنفوذ والسلطة والمال.
مشاريعنا تأجّلت، أولوياتنا تبدّلت، هواؤنا تغيّر… العالم في حجر منزلي وأنا كذلك. سألتُ نفسي ربما هي فرصة للنجاة بعدما كانت السرعة تأخذني من شغفي الأول والأحب ألا وهو المطالعة. فصرتُ أتمسكُ بالكتب أكثر، أقرأ وأكتبُ أكثر. شعرتُ بأنّ الكورونا التي تأخذ الأوكسيجين من أجسادنا، لن أسمح لها بأن تأخذ أوكسيجين روحي أي الثقافة. لأنني شخصيا أكتب لأحيا.
أنا أكتب لأنجو من الغرق في الظل، وخشبة نجاتي هي المعنى، أستطيع القول بأنّ أهمية إختيار الكتاب للمطالعة توازي أهمية إختيار قطعة باهظة الثمن ستتحول الى جزء منك. فالقصيدة أو النص أو أي عمل إبداعي يضيف الى المعنى لغة واصطلاحاً قيمة كبيرة. وعندما يخرج المعنى عن مساره، نلتحف بعباءة الشكل من دون العمق والمضمون.
ربما يلتبس علينا الأمر بأنّ المعنى يكمن في الورق والحبر فقط، لا، لانّ من يصادق المعنى، يكون من أبناء الغدّ لذلك أقول بأن “المعنى ينضح بما فيه” وبرأيي علينا أن نفتح الأبواب له.
بعيداً عن وظيفة العيش والحياة اليومية، نحن في بحث دائم عن معنى الوجود، وقد يتزاوج الوجود والمعنى في قلب وقالب اللغة. وأحيانا اللغة تنوء تحت ثقل المعنى فتعجز عن حمله كاملاً، وهذا ما يحدث في اللغة الشعرية عند المبدع. أعطيك مثال على ذلك المجموعات الشعرية للشاعر جوزف حرب، حيث نرى بأنّ المعنى في قصائده سواء بالمحكي او بالفصيح أعمق من اللغة، فتضطر هذه الأخيرة الى الاكتفاء بما هي قادرة عليه، تاركة للمتلقي بتصور المومي اليه.
بناء على ما سبق، أنا أبحث اليوم وبعد تكثيف قراءاتي، أبحث عن التكثيف الشعري، وأسعى جاهدة أن لا يتوقف بنائي الشعري عند أي عوائق أو قوالب موضوعة سلفاً، بهدف أن أجعل المعنى هو الذي يحمل قصيدتي.
من هذا المنطلق، أحاول الغوص في المعرفة وأستفيد من التطور التكنولوجي لتوسيع معرفتي، مع الاشارة الى أهمية المحافظة على حريتي في التعبير. بالنسبة لي، الحرية هي الجناح الثاني للقصيدة أو للمكوّن الابداعي الى جانب الجناح الاول أي المعنى. الحرية تجعلني أتغلب على الخوف أو الخجل أو القلق… وهنا أستشهد بقول للشاعر جوزف حرب: “لا يمكنك أن تكتب نصاً بحرية مجتزأة، فأنتَ بحاجة الى حرية كاملة كي يمكنك التعاطي مع النص”.
في الآونة الاخيرة، بالغ الناس في حرية التعبير وقد لاحظتُ ذلك لاسيما مع انتشار الشعر وكثافة الشعراء على وسائل التواصل الاجتماعي، الحقيقة وفي ظل هذا الوضع المتردّي المنعكس والمرتبط أساساً من تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أفقد القصيدة للاسف أحد أجنحتها ألا وهو المعنى. استسهلوا بالزمن (وهنا لا أقصد الوقت ومفرداته، بل أقصد العمق والقيم). نعم استسهلوا بالزمن، فأضحى زمننا فاقد معنى الوجود. وهذا ما يحزنني كثيراً.
أشعر بأننا واقفون في ظلام دامس، والنور أمامنا، ربما في الضفة الأخرى، إنما لا نراه ولا أدري إن كنا لا نراه او لا نريد أن نراه، لانّ الخيار الثاني مُخيف.
نعم أنا أخاف أن يصبح العالم ظلّاً لمكان آخر لن نطاله، الحقيقية… أستنجد بالطبيعة لأنها برأيي البياض الوحيد المتبقّي لنا في ظل هذا الزيف. أحبّ كثيراً استعمال مفردات الطبيعة لكي أحمّل قصيدتي المعنى، اليك قصيدة جديدة كتبتها:
” ورقة معلقة
كبرتُ على غصن شجرة /
أصبحت آخر ورقة معلّقة /
كتبت عليها قصيدة /
لستُ أحلم بالهبوط /
لانّ رفيقاتي على الثلج ينامون /
يفترشون فراغ الوقت/
وشفاهم من البرد ترتجف /
أتجاوز حكايات الفصول /
التقط أنفاس الزهور/
أنثر ماء الحروف /
فينبت على كفيّ أوراق ،
تعزفها ألحان الرياح /
تزرعها الطيور مسافات /
أفتح قصيدتي /
فتطير آخر ورقة معلقة /
على غصن شجرة. /
في الختام، على الرغم من الحزن والخوف اللذين يعتريانني في كثير من الأحيان، إلاّ أنني أتحلىّ بالصبر، وهنا استشهد بآية من الانجيل المقدس: “من يصبر الى المنتهى، يخلُصْ”.
ها أنا صابرة، أقف في الظلّ، أبحث عن المعنى بحريتي التامة، علّني أعبر الى الضفة الأخرى.
#الكاتبة والشاعرة ميشلين مبارك
ما شاء الله عليك