حكايات رشا
رياديـــة نسائيـــة فلسطينيـــة
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش)
حكايتي اليوم عن أوكسجين الحياة وعبيرها، عن رمز العطاء والتفاني. فكيف لو اجتمعت تلك الصفات مع دور عظيم ريادي على الصعيد الإجتماعي والوطني بكل أنواع وظائفه؟ هو دورالمرأة الريادي في فلسطين.
تتجه اليوم أغلب سياسات الدول إن كانت غربية أو عربية نحو التركيز على موضوع المرأة وفعاليتها في المجتمعات وكيفية تحفيزها لكي تستلم مناصب ومسؤوليات على مستوى أكبر من ذي قبل وبشكل فعال. وعليه، فقد كثرت الجمعيات التي تنادي بحقوق المرأة والأنشطة والفعاليات على عدة مستويات. طبعاً لا نستطيع أن نقيَم جميع تلك الفعاليات بالنحو الإيجابي. فهناك حتماً سيناريوهات متداخلة فيما بينها، منها الصالح ومنها الطالح، منها الحقيقي ومنها الكاذب، منها الموجه والمحدد ومنها الفوضوي وغير المدروس.
خلال قراءاتي وبحثي حول هذا الموضوع بالذات في فلسطين، وجدت أن فلسطين كانت السباقة في الشق الريادي للمرأة قبل النكبة! نعم، فقد دونت هذا في كتاب بحثي السردي( لم أتذوق برتقال جدي) الصادر في بيروت من دار فواصل للنشر الكريمة.
فقد ذكرت في كتابي الذي ركزت فيه على تاريخ مدينتي يافا التاريخية العريقة، أنها تميزت بالإزدهار الثقافي وتطرقت لتفنيدات عدة إلى أن وصلت إلى خانة الصعيد النهضوي النسائي. بصراحة، عندما كنت أتناول بحثي وأكدَ عليه، شغفتني مدينتي يافا أكثر مع أني ولدت متيمة بها وبكل فلسطين. لكنني، شغفت بما وجدته أمامي من معلومات تاريخية حول المرأة. كنت أعلم بطبيعة الحال عن أحداث وروايات تداولتها عائلتي ولكن، عندما يقوم الباحث بعمله لينبش كل الأوراق ويشم رائحة التاريخ القديم ليعيشه بحرفيته وكامل موضوعيته، فهذا أمر له أثره العميق في الوجدان والذهن….
كان ليافا مشاركات نهضوية نسائية متعددة. ما لفتني في مدينتي أنه كان فيها أول نادي نسائي عربي عام 1910.
جننت عندما علمت بهذا الأمر! وخطر على بالي فوراً كيفية لعب الغرب على مجتمعاتنا وإظهار أنهم أول من ينادي بحقوق المرأة وحريتها بالمعنى المسؤول وأهمية وجودها وتواجدها إجتماعياً…يا لسخرية الدهر! يا للطمس الظالم الذي يقتلنا! يا لقهري بينما أكتب حكايتي تلك…
سأحاول قدر استطاعتي ألا أقع في خانة الأسى عند سردي، سأتحدى ذاتي لأنني فلسطينية أيضا وموضوع المرأة هو قضيتي كفلسطين تماما.
لطالما تغنيت بأليسار ملكة قرطاج وكليوبترا وكثير من النساء اللواتي تركن بصمات لنا نحن النساء عبر التاريخ وعندما يأتي الأمر ليكون فلسطينياً، تصيبني القشعريرة برغم أني أؤمن بالأممية والإنسانية الصرف :” ريادة نسائية فلسطينية” ! ما أجمل هذا العنوان…..
على الصعيد المقاوم ضد الإنتداب البريطاني، كان للمرأة حضور فعال ومميز. فقد تشكلت فرقة على شكل تنظيم نسائي، “زهرة الأقحوان”.
كانت النساء الفلسطينيات العضوات في تنظيم زهرة الأقحوان ينقلن الذخائر والمؤن للثوار وكل المقاتلين كذلك كن يسعفن الجرحى إن كان بالمعالجة أو النقل إلى الجهات الطبية. فمدينتي يافا كانت عامرة بتلك النساء ومن بينهن: عربية وجهينة خورشيد ويسرى طوقان التي التحقت فيما بعد بجيش الإنقاذ. وطبعاً النساء الفلسطينيات على صعيد كل المدن والقرى الفلسطينية سطَرن أجمل أنواع الدعم والعمل المقاوم منذ الانتداب البريطاني ووصولاً للإحتلال ال”صهيوني”.
على الصعيد الإجتماعي، كان هناك “جمعية نجدة الفتاة”، حيث كان هدف هذه الجمعية تحفيز وتدريب المرأة ودعمها ومن بين أعضائها السيدة زليخة رشاد خورشيد السعيد.
ولعمل الأيتام كان هناك تخصص نسائي أيضا، فلقد تم تقسيم العمل الجماعي لدعم الأيتام بالشكل المدروس. فتأسست “جمعية السيدات الأورثوذكسية” والتي تفرعت من عمل الجمعية الأورثوذكسية الفلسطينية التي تم إنشاءها سنة 1882 وكان لها العديد من المدارس. تأسست في مدينة يافا بعد أن كانت في السابق “جمعية ترقى الآداب الوطنية” في يافا أيضا سنة 1908. أما جمعية السيدات الأورثوذكسية التي نشأت في يافا منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، التي تعنى بدعم اليتيمات فقد أسستها وعملت فيها نساءنا الماجدات كالسيدة سعدى سليم تماري، سارة ميخائيل العيسى، روجينا يعقوب غندور، ماري جورج دباس، عفيفة إيليا دباس، اديل افتيم عازر، اديل نقولا الدباس، فدوك الياس برتقش، ملفينا موسى حكيم، فدوى قاقيادس، عفيفة ابراهيم قدسي، جوليا صليبا اسليم، فكتوريا روفائيل ظريفة وزهية سمعان العيسى.
فقد كان لهذه الجمعية تبنياً ودعماً مهماً لليتيمات حيث أنها أرسلت طالبات ليتعلمن خارج يافا في الجامعة الأميركية في بيروت.
وعندما نتكلم عن مهن وتطريز واشتهار الإبرة والخيط الفلسطينية، فنجد في المقابل أنه كان هناك جمعية تسمى “جمعية التضامن النسائي”، كانت تعنى بالعمل في مجالات خيرية ومحو الأمية والأشغال اليدوية وكذلك كانت تقوم بتحضير المؤن للمقاتلين. والملفت في الأمر، أن هذه الجمعية قد أقامت حفلات متنوعة وفنية ودعت إليها الشهيرة بديعة مصابني ونجيب الريحاني وأم كلثوم وغيرهم من المبدعين والفنانين الكبار والذين شاركوا في حملات الدعم التي كانت تقام من أجل فلسطين. فمن بين العضوات في هذه الجمعية كانت الأستاذة فاطمة صلاح وكذلك رفقة وسمية جار الله، كاملة الدباغ، زلفى خوري، أم غازي كنعان، لوريس حلاس وفوزية العرقوب….
امتد الأمر وتعززت الأعمال النسائية أكثر في فلسطين والتي كانت في مدينة يافا ومن ثم انتشرت على كل الاراضي الفلسطينية، إلى أن تأسست “جمعية السيدات العربية” في القدس سنة 1929 وذلك لتفعيل دور المرأة الفلسطينية في ثورة البراق. كانت رئيستها السيدة نعمتي العلمي وانتشرت فروع الجمعية في كل من يافا ونابلس وعكا.
سنة 1939، أسست السيدة أديل عازر جمعية “السيدات العربية يافا” بالاشتراك مع كل من السيدات أسمث الهباب، أديل عازر، خديجة، فايزة، نادرة وشهيرة نابلسي، سارة عمر البيطار، جميلة قنبرجي، فورتينيه روك وهي زوجة السيد سكر، زهية عيسى العيسى والسيدة ادلابيد روك زوجة السيد خياط كما تم التدوين في المرجع موسوعة يافا. تبدلت الأسماء لاحقا بعد استقالات البعض وانتخاب غيرهن عام 1946 مثل السيدة وجيهة زوجة السيد راغب ابو السعود الدجاني، حيث كانت رئيسة والسيدة أديل عازر التي كانت نائبة الرئيسة والسيدة الكسندره ظريفة التي كانت سكرتيرة الجمعية والسيدة فاطمة زوجة السيد أحمد أبو لبن التي كانت أمينة الصندوق.
إضافة إلى تلك الجمعيات، لا يمكننا أن ننسى الدور الفعال الذي أدته “جمعية السيدات الوطنية” التي كانت تعنى بالدور النهضوي للمرأة والتي تأسست سنة 1929 وكذلك على غرارها “جمعية الرابطة النسائية العربية” والتي تاسست في الأربعينات في مدينة يافا.
حكايتي هي حكاية عنفوان المرأة الفلسطينية وتميزها الريادي قبل أن يأتي إلينا الغربي ليحدثنا اليوم عن أهمية المرأة…أنا أعتقد أنه تعلم عن أهمية دور المرأة عندما أتى إلينا غازيا واكتشف قدراتنا النسائية وتاريخنا النهضوي….لا أريد أن أفهم كعنصرية لعروبتي وفلسطينيتي، بل أنا مع الإنسانية جمعاء ومع كسر كل الحدود على هذه الأرض، لكني وبكل بساطة أنقل الأمور التاريخية بأمانتها وصدقها وحقيقتها….لا أتحدث عن الغربي كشعب عندما أتطرق إليه بل كنظام. لنلتقي ونتبادل تحت علم الإنسانية ولنتعلم المحبة بدل الكراهية والسرقة ومفاهيم السيطرة.
هذا هو تاريخنا الذي لا ولن نقبل أن يشوهه أو يطمسه أحد وهذه هي الريادية النسائية الفلسطينية بكل بساطة….