جسد المرأة عبء
كتبت الإعلامية دلال قنديل ياغي :
عيناه سر الأسرار ..أخضرهما الحادق يلتمع في الليالي المظلمة كمن يستدعي الأشرار.. تلاحقه عيون المقاتلين المفترسين على تنوع أسلحتهم تأسره أيديهم تغتصبه قوتهم مخلفة القذارات في أجساد السبايا ..
حكايات تخرج من سياق المتوقع الى الخيال صادمة بواقعيتها , فالرواية سيرة منقحة لإعدام إمرأة سودانية في السابعة والعشرين من عمرها لإعتناقها المسيحية وهي المولودة من عائلة مسلمة سرد مؤلم مشوق في آن لسيرة “مريم يحي” التي حكمت المحكمة بتفريقها عن زوجها المسيحي ..
.. سأل القاضي عباس الخليفة مريم عما اذا كانت ستعود الى الإسلام وبعد أن قالت أنا مسيحية صدر الحكم بالإعدام ..”
بهذا المستند المنسوب لوكالة “رويترز ” تأخذنا رواية حامد الناظر ” عينان خضراوان” الصادرة عن دار التنوير والتي شملتها اللائحة الطويلة لجائزة البوكر , تأخذنا الى مأساة إنسانية بكافة وجوهها لكنها تنحى للأمل بالإنتصار لحق الإختيار وتمكن عرفة بطلة الرواية ورمز التحرر والإستقلالية حتى عن زوجها بعد تراجعه عن مواجهة المحكمة .
..” عرفة ” الضعيفة السليبة التي تشردت في الشوارع مفترشة الفلاء تغلبت على جهلها بالعلم بلجوئها للكنيسة والإفلات من حبل المشنقة مترافعة بذلك عن كل سليبة وضحية للحرب إستجمعت الرواية قوتهن بحبكة أدخلتنا سراديب السجون ودهاليزها وآهات التعذيب وأدواتها ..
وبضغط من أحزاب الجنوب السوداني في الظاهر وضغط أميركي فعلي تراجعت السلطات عن الحكم بإيحاء أن سياسة بلادنا يُكتب تاريخُها على ايدي الأجانب .
تُشرعُ الحروبُ الموبقات ..تخرج عرفة في رواية “عينان خضراوان” للحياة من ثقوب قاربت فيها الموت وتحدته في الشارع كما السجون دافعة ثمن الخيارات الصعبة
في حق العيش ليس إلا ..
حكاية على نار الحرب والخراب والتشتت والإضطهاد والنزف اليومي تنمو سطورها بلغة سلسة تطرح فيها على لسان عرفة إشكاليات الحرب الارتيرية الاثيوبية وتأثر السودان بها عن جدوى الحروب مهما إختلفت شعاراتها
“الحرب هي التي تصنع أحلامنا على مدار التاريخ وتجعل تحقيقها ممكناً هي التي تشعل رغبتنا في التفوق وهي التي تضمن لنا استمراره في ما بعد… من اجل الحرب اختُرع المال ومن أجلها نُظمت الجيوش وظهرت نظم الحكم والادارة وتطور العلوم والتكنولوجيا وازدهر البغاء وظهرت الحاجة الى الشعر والحكمة واصبح لتدوين التاريخ تلك الأهمية… هل تتخيلين تاريخاً دون أخبار الحروب؟…الحرب لا تجلب الموت أبداً…الحرب تخلق للحياة معنى …كلام الضابط الارتيري بلهجته العربية الركيكة للأسيرة عرفة هو صورة مصغرة عن فلسفة حاضرنا وإنصهار الجميع في أنسنة الحرب التي لا تقوم إلا على إستخدام الصعفاء وقودا لنار لا تشبع .
رواية منحازة لإنسانية الإنسان ولحق إختياره لمساحة الحرية التي نرسمها بأيدينا ونخط أقدارنا مهما عاندتنا المسارب الى المبتغى..قد تذهب عرفة بسيرتها الروائية المجددة الى الوعظ حيناً والسخرية أحياناً من خلال رسم ملامح شخصياتها وتطويعها لإحكام حبكتها لتدخلنا في متن الإسئلة عن فحوى العيش دون مقارعة السائد ..
وما هو السائد سوى إستخدام التعصب الديني والإثني لتسعير المزيد من الدمار والخراب والحروب؟