غاب بلال شرارة على غيمة..
قبل اكتمال المشهد على الخشبة …
..حملته النسائم الربيعية مع طيف الدواري وأناشيد البلابل والطيور المهاجرة إلى غيمة بيضاء وعدَّته أن تمرَّ به فوق أرض فلسطين ليعيش وقتاً فلسطينياً إضافياً يتوقف خلاله برهة فوق مدينة القدس ليصلي صلاته الأخيرة ويرتل قصيدته التي عاش بلال شرارة طويلا من اجل كتابة سطرها الأخير , لكنه رحل قبل أن يكتبه .
بلال شرارة , ذلك الشاب الذي التقيته منذ عقود في منزل عمه في شارع بربور الفنان التشكيلي الراحل عدنان شرارة (أحد مؤسسي حركة القوميين العرب ) لم أتعرف عليه كشاعر ولم تظهر عليه يومها أشكال المثقفين الذين يطلقون الكلام من أطراف شفاههم أو يحملون الكتاب والجريدة بين ايديهم ..هو من كان يحمل على أكتافه أعباء أمة وبعض أثار الغبار الآتية من خلف صخور المقاومة في القرى المواجهة للشريط الحدودي المحتل في ذلك الزمن .
يوم زرنا مركز الحركة الثقافية في بلدته بنت جبيل , اصطحبني برفقة الصديق نعمة بدوي لرؤية بناء المسرح الذي عمل على إنشائه طويلا , وقفنا كمن يقف على الأطلال أمام مدرجات الصالة الفارغة من التجهيزات والخشبة , صالة لا تزال على الباطون .
وقفنا نتأمل أحلامنا والمشهد المسرحي الذي لم يبدأ عرض افتتاحه .. قال لي : ” انتهينا الأن من بناء قاعة المسرح وربما نتمكن قريبا من استكمال التجهيزات التي يحتاج لها “..
غاب البلال ولم يكتمل المشهد وبقيت صالة المسرح تنتظر صرخته عبر خشبتها التي قد يقول فيها:
هل هي ثورة حتى النصر أم ثورة حتى النوم او نوم حتى الثورة ؟!
وربما يلقي قصيدة من ( نقطة على الشعر ) يقول فيها :
سأطلع يوماً
من صمت هذا السكون
من وحشة العزلة القاتلة
أصرخ في السكت ان ينجزر
سأصبح يوما فراشة ضوء عتيق
اكتب ما فاتني في عتمةروحي
ألون إسوارة من عقيق
لعل اليد التي ترتديها
تأخذني من يدي
نحو صبح رقيق
و تشعل التين في خاطري
و تغسل فكرة بالندى
تغني لها عصفورة الشوك و البيلسان
لو ان يوماً سيأتي
(………)
إلى أين أمضي
اذا عشت عقداً جديداً ؟
بلال شرارة , الإنسان المتواضع , العفوي , العاطفي و الحنون… هو لا يحمل فقط لقب “الشاعر ” , لأنه أكثر من ذلك , هو شاعر وأديب وعرّاب في محافل الثقافة , و هو “جوهرجي الكلام ” .
لم أسمع البلال يتكلم يوماً بلغة طائفية أو مذهبية… كان يحمل همّ الوطن والأرض والعروبة وفلسطين ..
كان يقول ساخرا من أوضاع البلاد : أطمح أن أصيرَ وزيراً ” للفراغ ” لانها حقيبة غير ملموسة أو محسوسة وبالتالي فلن يتنافس عليها لا الطوائف ولا المذاهب .
بلال شرارة المناضل الوطني والعربي هو أيضا الإنسان و الأخ والأب والجد الحنون , ترى البسمة ترتسم على وجهه ومحياه بفرح غامر عند ذكر اسم من أسماء أحفاده .
عزاؤنا كبير برحيل الجندي الذي كان حاضرا أبدا في إحياء مهرجانات صور الثقافية العربية والدولية , والساعي دائما لتنشيط العمل الثقافي في الميادين كافة .
باسمي وباسم أسرة موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت وأسرة ” صفحة أخبار ونشاطات ثقافية ” التي كان الداعم الأول لها , أتقدم بالتعازي القلبية من الحركة الثقافية في لبنان وأصدقاء البلال ورفاق دربه ومسيرته النضالية , وعائلته وعقيلته وولديه حسان والزميلة الإعلامية الشاعرة عبير , وشقيقته الصديقة الشاعرة رندة رفعت شرارة .
رحيل البلال , سيترك فراغا كبيرا على ساحتنا الثقافية ..سنفتقدك كثيرا أيها الطيب ..وسنفتقد لصباحات الأحد على طاولتك في ” المقهى الصغير ” المطل على شاطئ الرملة البيضاء ..أوصل سلامي إلى أستاذي عدنان ..السلام لروحك .