صابــون يرشــح بالحــب
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايات رشا
وكان يرشح ألواناً فقلت له….جسمي هناك…
آه… كم جميلة تلك الكلمات وتلك الأغنية لمارسيل خليفة. حكايتي اليوم هي حكاية صمود في مدينتي يافا مفعمة بالعطور وأريجها…حكاية صابون يرشح ألوانا وحب، لينقل إلينا التاريخ بلغته الخاصة، لغة الجمال وعبق الزهور والأصالة…
بابا، ماذا جلبت لي؟ هذا الصابون كله لك….
لطالما أبي وأنا، عشقنا الصابون على أنواعه واختلافه، وعودني أبي منذ الطفولة أن يشتري لي الصابون بالكيلوهات…كنا ورحمة الله على والدي، نتشارك في هذه الهواية وهذا الحب…لدرجة أنني فكرت يوماً أن أقوم بمشروع تجارة الصابون وأن أصيغه كما أحب وبالعطور وأنواع الزهور التي تعني لي وأسميه Rasha’s Soap. رحت أبحث عن كيفية عمل الصابون وعن شركات موجودة في لبنان مختصة قد تفيدني في هذا…لكني، فضلت انتظار الأمر وبعدها أخذتني أمور الحياة…عشقي للصابون استمر ونما بكل ما فيه من جعبة ذكرياتي مع أبي…
أما اليوم، فوجدت أن عشقينا، بابا وأنا، يتمثل في تراث وأصالة ومقاومة لكل أنواع الطمس. وجدت في مدينتي يافا الفلسطينية التاريخية العريقة، عروس فلسطين ودفتها الإقتصادية والحضارية، تجارة للصابون الفلسطيني الأصيل الذي كان رائدا تاريخيا في يافا والمنطقة. ففي مدينة يافا كان هناك مصبنة شهيرة وهي مصبنة الدمياني. لعائلة الدمياني الفلسطينية العريقة والتي أيضا قضى على وجودها الاحتلال داخل فلسطين كما فعل مع عائلتي ولاحقها.
كان هدف الاحتلال، منذ أول ولادته، تطهير فلسطين من كل شعبها المظلوم وخاصة من كبرى عائلاتها ووجهائهم والقضاء على أعمالهم لمحو تاريخ الوطن وثقافته والطمس على كل غناه وتقدمه. فهذا سيتوافق مع إعلانهم للرأي العام العالمي أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب ولاجتياح العالم اجتياحا ثقافي وليسيطر كما يشاء. فبث صيت أن الإحتلال هو الضحية أمر ليس بريء بتاتاً، ومحاولة إخفاء حقيقة ما حصل في النكبة يشكل دوراً أساسياً في فكر واستراتيجية الهيمنة والاحتلال ومن ثم التوسع.
كانت مصبنة الدمياني الشهيرة في فلسطين بشكل عام ومدينة يافا بشكل خاص، توزع الصابون لكل فلسطين وغيرها…بقي منها الآن الآثار، مباني المصابن التاريخية الجميلة، نعم إنه لقهر لكن يكفينا أن بقاء العمران يشكل دليلا دامغاً على هشاشة حجج الاحتلال الذي يناقض نفسه بنفسه ….طبعاً الاحتلال غير بكثير من المعالم وهدم كثير من البيوت والعمران والاعمال، لكن ولحسن الحظ، بقيت مصبنة الدمياني وغيرها من بعض الاثارات المهمة والدور العريقة ومنهم بعض من دور أجدادي وعائلتي الشهيرة. المؤسف بالأمر، أن كثير من هذه المباني معرضة للخطر. يعمل الإحتلال اليوم على ترميم بعضها على كيفه وجعلها معالم سياحية له وضم هذه الاعمال ضمن إطار أعمال بلدية تل- أبيب “المزعومة”.
في المقلب الآخر، برزت تجارة تتحدى هذا الطمس، تجارة الصابون أيضا بإدارة العائلة اليافية الأصيلة، أبو شميس. تم افتتاح دكان للصابون المفعم بروح البلاد وسلطان تاريخه. وتمت تسمية الصابون بأسماء الشوارع الشهيرة في يافا كصابون النزهة مثلاً والنزهة هو شارع تاريخي عريق وشهير في يافا قبل الاحتلال وقبل النكبة اللعينة. كذلك، أعادوا ذكر صابون الدمياني عبر تسمية صنف من أصناف صابونهم بصابون الدمياني ووزعوا أصناف الصابون على شكل التسميات لبعض شوارع يافا وكذلك برتقالها فهناك صابون اسمه برتقال يافا وكذلك تسميات الزهور الشهيرة في منطقتنا مثل الياسمين وغيرها وبالطبع صابون زيت الزيتون كزيتون فلسطين المقدس الصابر، والغار وووو…أصناف متنوعة تحكي التراث والتاريخ وتصر على بقائه وتتحدى بسلاسة وإبداع.
ما لفتني كثيراً، هو التصميم على إعادة ذكر اسم صابون الدمياني الذي خفت حسه مع الاحتلال وتم تهجير أصحابه….ومع صابون البرتقال، أستعيد حكايات وذاكرة عائلتي صاحبة بيارات البرتقال والمصدرة له حول العالم… حكايتي اليوم، هي حكاية الصمود والإرادة ينسجها كل شريف عاشق لقضيته ومقاوم لكل أنواع الإبادة والطمس والمحو…مقاوم للإحتلال بطريقة مميزة ونوعية…حكايتي عن صابون يرشح بالحب، وجسده هناك…في مدينة يافا الفلسطينية المحتلة
شكرا جزيلا على هذه المقالة الجميلة! كلها حب 💓 ومشاعر!💓