شهرياد الكلام :
” بلا أوكسيجين ”
# ( بقلم الروائية السورية جهينة العوّام )
-هل يؤلمك شيء؟
صاح بي الرجل الذي أنقذني من الموت . دم على أكمام الطريق والعابرون يهزون ثوب الوشاية الطويل ،فيما الحياة تعبرني بغموضها ونزقها وقراصها وتفاهتها .
صار الوقت خالياً من الدهشة ،وهذا العالم يتمدد دوني ،أنا التي خبرت نواياه بما يكفي لأخمن خاتمتي.
كان يكفي أن أرقب الصوت الذي يمضي الى غير رجعة ،متجاوزاً كل الحواجز التي افتعلتها، وما قطفت منها الا الصدى.
–هل يؤلمك شيء؟
صار كل شيء ضبابياً ، أنا لا أجيد صوغ الكلام
هذا الألم يشبه الغياب ، في تجاعيده ندوب ممهورة باليأس و بالخوف ، وروح تمزقت أوتارها.
لو أستطيع صوغ الكلام لكان ذلك أفضل لكلينا ،أنت ترتاح من السؤال ، وأنا من البحث عن مرادفات وصياغات رشيقة.
-لا وقت لدينا لكل هذا الهراء ،هل يؤلمك شيء ؟الآلام لا تحتاج كل هذه المقدمات !
……
هذا الغريب يظن نفسه خبيرا بالألم ! المقدمات السيئة ضرورية لتحديد نوعية وشدة الوجع ،فللآلام شيفرتها كما الروائح.
تحملها الريح تخبئها في الصُدفة ،وبتواطئ من الاقدار تتسلل اليك على هيئة قنبلة موقوتة مدسوسة بعلبة مزركشة ومزينة بشريط من الدانتيل الأبيض كتب عليه بخط واضح (بكرا أحلى).
-بكرا أحلى !!!تحولت الى قنبلة تباً لكم معشر الشعراء ،تصطحبون الفزلكة معكم حتى الى القبر
،الجرح في يدك ينزف بشدة ..سأضمده لكن ابقي معي ..حدثيني ..لا تقلقي ستكونين على ما يرام.
-على ما يرام ! حقاً !
كيف و أرجوحتي مذ ولدت منصوبة للوهم ومشنوقة بالاغتراب ، ومجبرة لابتلاع دوي جنوني قبل هبوطي الى قاع الحياة ، وها أنا أطفو من جديد يداعبني حلم الوصول ،لأكتشف ان الموج قذفني الى تلك الشواطئ الملغمة بالخيبة والمطلة على الغرق.
-ما اسمك؟ ما اسمك لأدونه على السوار ؟
بعض الأسماء لا تصلح للتدوين في مفكرة الظل ،ابتعد الآن دعني أتلمس خوفي ،أتكهن شكل نهايتي وأنا أشيع صوري الى مداراتها ،دعني
أفتش عن ضحكتي التي ، وبدون سبب محوتها لأتظاهر بالوقار .(نور) ربما كان اسمي قبل أن تلفظني الدروب .
_ لا تغلقي عينيكي ، ابقيهما مفتوحتين… تنفسي …. تنفسي
-صدقني لم يكن ذلك كافيا فيما مضى لأنجو، ولا أظنه اليوم سيفي بالغرض
العيون المفتوحة على شرفات الضياع ،وشروق النهايات الأكيدة، قد تجيد الطفو لكنها أبدا لن تحظى بمتعة السباحة.
كي تنجو علّم سؤالك أن يجدك في احتمالات الجواب ، وعلم ذكاءك أن يخونك ، لتحتمل خذلان الطريق.
جرحي انتهز الفرصة ليخلع مجاملاته، ويبدع في سرد الرواية بينما يتسلم المساء نوبة حراسته تاركا العالم منشغل بجرد عهدته من النور.
_لا تلتفتي للوراء ،أمسكي يدي جيداً ..أخبريني بماذا تحلمين؟
_بالغد
ابتسم الرجل الذي أنقذني من الموت ، وبقليل من السخرية قال:
-الغد ! هذا أمر مفروغ منه ،أخبريني حلماً أكبر
نظرت الى أضواء الشارع ، التي تنعكس على زجاج السيارة الخلفي وأخذت نفساً عميقاً وتمتمت في سري: الغد حلم مثالي بالنسبة لي.
_لا تتحركي ،لا تتحركي عن ماذا تبحثين؟ صاح بي الرجل وهو يمسك بقناع الاكسجين ويعيد تثبيته على فمي وأنفي.
قلادتي ..قلادتي نسيتها هناك قرب المصباح المكسور، بعد أن ترجلت أحلامي وهي تصيح
عمر مستعمل للبيع استوفى شروط العزلة،عمر متصالح مع ذنوب عصية على الغفران
عمر ينفث دخانا كثيفا في جيوب الندم ، وينام في حضن المرايا.
-تعلمي أن لا تمنحي ثقتك الا للنور .. عندها ستجيدين عبور الطريق،
وتبتكرين حلما يقفز بك الى مشارف الشمس ،ستلتقطين اشارات تدلك على مهارات فائقة محجوزة لك في اليقين ،أعدك اننا سنصل معا الى الضفة الأخرى ونرقص التانغو ، ثمة حكايات كثيرة بانتظارنا لنرويها.
الأجساد تتعافى بسرعة المهم أن تظل الروح واقفة على قدميها.
كان صوته هادئاً دافئاً ،في تللك اللحظة شغلني سؤال واحد،لماذا يصر قلبي على البقاء في الجهة اليسرى ،لماذا يعاندني ولا يجرب أن يسكن عيني اليسرى مثلاً ،نزعت قناع الاكسجين ، كان الرجل الذي أنقذني من الموت يرمي صنارته من جديد في نهيدي ويصطاد حياة غير قابلة للحياة.
اقترب مني وضع فمه على فمي ،قبلني وقبلني وقبلني
غفوت وأكملت على مهل البقية ،كما وردت حرفيا في رواية (الاميرة النائمة) .
أعدت التفكير بكل كلماته ..الحلم ، الشمس ،العبور ، الرقص، الحكايات والثقة بالنور ..شيء ما يتدفق في داخلي ربما هذا ما يسمونه الحياة، بت قادرة على التنفس دون قناع ، مددت يدي لأمسك يديه،لكنه كان بعيدا
بعيدا يخبر القاصي والداني أنه أجرى لي تنفسا صناعيا كي ينقذني من الموت.
الرجل الذي أنقذني من الموت كان بارداً كالشك موجعا كالمرايا .