تونس – خاص موقع ” ميزان الزمان ” :
.. ينشر موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت قراءة للناقدة التونسية جليلة بن أحمد حول ديوان ” أصابع في كف الشمس ” لمديرة الموقع في ولاية تونس الكبرى الإعلامية والشاعرة سليمى السرايري ، والذي كتبت قصائده بين العامين 2009 و 2010 .

القراءة حملت عنوان ” إنّ من الجمال لشعرا ” .. هنا القراءة :
إنّ مِنَ الجَمَالِ لَشِعْرَا…..
سليمى السرايري هي حبّة من عقد لؤلؤي لآلِئهُ نساءٌ تونسيات مبدعات. فتونس كانت ولا تزال الأمَّ الولاّدةَ للمبدعين والمبدعات. تونس التي ولدت منذ القديم أديبات وشاعرات شهيرات نجد أسماء بعضهن في كتاب “شهيرات تونسيات” لحسن حسني عبد الوهّاب فمنهن: الأميرة مهريّة الأغلبيّة” ـ التي اشتهرت في زمانها بالأدب الغضّ ووصف نظمها بالجودة ـ وخدّوج الرّصفية وهي أديبة نبغت في القرن الرابع للهجرة وزينب التيجانية ومريم الزناتية….. والجازية الهلالية. الخطيبة والحكيمة… هذا وقد نبغت في العصر الحديث شاعرات وأديبات متميّزات بدءًا بزبيدة بشير وهند عزوز ففضيلة الشابي وحفيظة قارة بيبان وصولا إلى ليلى المكي وفاطمة بن فضيلة.. وغيرهن كثيرات… أديبات تونسيات نقشن أسماءهن بحروف من فيروز… حروف محمّلَةٍ مواقف ومشاعر وأحاسيس وأحلاما… حروفٍ كالبحر في عمقه الاّزوردي وفي عطائه وكرمه…
هاهي تونس اليوم إذن تنجب شاعرة رائعة تَنْضَمُّ إلى العقد اللؤلؤي وتسجّل بامتياز اسمها ضمن قائمة المبدعات التونسيات هي سليمى السرايري التي فتحت “أزرار الصمت” لتصبح سيّدة الشعر والألوان فما ديوانها: “أصابع في كفّ الشمس” إلاّ حُلُمَ سليمى واحتراقَها ووَجَعَهَا وإشراقَتَهَا. ذلك أن الشعر عند سليمى ماهو إلاّ لحن وزقزقة وحلم وهو نورٌ وظلالٌ وشجرٌ… إنه الطّبيعة بل إنه جنّتُها وهو حبيبها ثُمّ هو وَليدُها ليستحيل في نهاية قصيدتها “شعر” (ص49) معبودًا لها أي إلاَهً.
تقول معرّفة الشعر:
–
إنّه طفل ينمو فينا
يفْترش حرائقنا
و من حدقة الرّوح
ينبثق جرحًا
–
و تقولُ أيضا:
–
إنه إلاه يغزل الحروف
بساطًا للرحيل
–
ونتيجةً لهذا التعريف الخاص للشعر الذي قدّمته سليمى فإنّ قصائدها تجعلك تحن إلى الحبّ والعشق وتبحث عنهما في كلّ ما حولك من عناصر الطّبيعة. فهي تجعلك تحلّق عاشقا مع أسراب النّورس بين أمواج الحلم وتطير مع الفراشات بين أزهار اللّوز والسوسن… قصائد سليمى هي المرأة بكلّ ما تحتويه من خصب وعذوبة ورقّةٍ ولطافةٍ هي “المرأة المائيّة”… هي المرأة وهي تعشق الآخر الحاضر تارة والغائب طورًا في استقلاليّة عنه ودون أن تحتويه أو أن تتماهى .. فهي متمرّدة على الآخر تارةً تَأْمُرُه بالمضي إلى حيث يمضي وبأن يرقص كما يشاء وتنهاه عن السؤال إلى أين تَمْضي هِيَ…. فهي تودّ أن تشدّ الرّحال إلى بهرة الضوء وحدها مستشرفة الفراق قائلة : “قد لا نلتقي” وهي تحنّ إلى هذا الآخر مشتعلة جنونًا ووجدًا وشبقا طورًا ثانيا فيصبح رمزًا للخصب الذي تحنّ إليه وتبحث عنه تقول :
–
ماذا؟
لَوْ دَعَتْهُ لوليمة التّفاحِ
ماذا لو اشتعلت جنونًا
والتهبت كالمرجان
راودته
قدّت القميص
شهقت نجمة في السّماءِ
بكى المكان
–
وقَدْ يغدو هذا الآخر رمزًا للنّقاء والصّفاء والطّهر إذ تقول:
–
فأرث من امرأة العزيز
عشق الأنبياء
–
فيكون بذلك نبراسًا لها في العتمة التي تبلّلها وتنثال عليها انثيالاً وتكون عيناهُ شموسها الوحيدة فهو دليلها في طريق مساربها متناقضة الماء/ النار والخصب/ الجدب. يختال الجسد بين هذه المسارب في حضور مكثف وفي فلسفة جديدة لا يمكن إلاّ أن تكون فلسفة سليمى للجسد المتحرّر حينا والمقيّد حينا آخر فحين يمرّ بمسرب الماء والخصب تجده ينساب مع الماء يُنْبِئُ بالخصب وينعم به. تقول سليمى :
–
في أرق الأشياء
أهطل كالفرح القادم
–
وتقول أيضا :
–
كَفِّي الآن نَخْلٌ يتّسع
يتسع في المسافات
يهز جذع الصمت
ويذرف الدّمع غيما
كي تورق أصابعي في المطر
ويكتمل الطوفان
–

وحين يمرّ الجسد بمسرب النار والجدب تجده يحترق وجدًا وعشقا تقول
الشاعرة :
–
أمازال الجفاف يرقص
على شفاهك النافرة
–
وتقول كذلك: على لسان الآخر الغائب / الحاضر:
–
منذ آلاف السنين
لم أتعرّ لأطفو على ذراعيكِ
لَمْ أجرّب الطيران
لأعلّق بقرط السّماءِ جُرْحي
هيّا… ارشحي على جسدي نبيذا
في جفافه نبّتي شجرًا أزرق
واركضي إلى ظلّي
أضيئي
–
تقول كذلك في قصيدتها “احتراق” معلنة احتراق الجسد عشقا ورغبة
أيتها الشمس
تسلّلي رويدًا… رويدًا
في جسدي
فأنا منذ أعوام
مطمورة في صحاري الثلوج
لا تظهر منّي
غير يدي.
–
ولعلّ وَلَهَ سليمى وعشقها للفنّ التشكيلي قد فَاضَ على النصّ فتحضر الصور الشعريّة مختلفة المصادر: تراثية ورومانسيّة… متنوّعة الألوان: من الزرقة إلى الخضرة إلى البياض فالرّمادي..و الألوان في القصائد كثيرة من ذلك أقوالها:.
أسكب لونك المقدس زرقة / حلم أزرق / أي ورد انبت الاخضرار / أحطّ على بياض وجه لن يكتمل فترسم بذلك سليمى قصيدة من الألوان: تقول في قصيدتها ـ صورة :
–
هل كُنْتُ أدري أن الأيادي المتعبة
تبكي أحيانا
و ترسم قصيدة من الألوان
اقتربي أيتها الألوان إذن
وتناثري في وَجَعِي
–
كل هذه الصور والألوان تحضر متراوحة بين الظلمة والنور، تقول :
–
أمازلت تلوح من بعيد وتنأى
كالقصيدة الجافلة
كما حلم عَارٍ
تلاحقني / تراقصني
تعتلي صهوة صمتي
لتسامر وجهي
و في العتمة تبلّلني
بضوئك القمريّ
–
قَصَائِدُ سُلَيْمَى هي إذن رسم فسيفسائي يثير كل الحواس ويوقظها ويُلَبيّها.
فَكُلّ قصيدة هي مواويل حبلى أَمَلاً مسكونًا بالضوءِ والياسمين
وكل قصيدة هي روض فائح عبقها وهي خلاصة أزهار النارنج وطيب الورد وجمال
السوسن والزنابق…
و في كل قصيدة يشعّ نور الأمل نور يُسْكِرُكَ بالضوءِ
فَتَكْتَمِلُ متلألئَةً كضَحْكَةِ عيني عاشق وَلِهٍ
قصائد سليمى قُدّتْ من لُؤْلُؤٍ ومرجان فَغَدَتْ دروسًا في أبجديات حبّ الشعر
وعشق الجمال وسَبْحا في بحور الألوان مكتوبَة ومطرّزة بأصابع مِنْ كفّ الشمس.
–
( # قراءة الناقدة جليلة بن أحمد )

من الفرحات الاولى التي غمرتني بها الناقدة جليلة بن احمد والشاعر سوف عبيد في توقيع كبير بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون تونس العاصمة
من الفرحات الاولى التي غمرتني بها الناقدة جليلة بن احمد والشاعر سوف عبيد في توقيع كبير بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون تونس العاصمة