أأنا الذي أمشي وراءكَ يا أبي
أم أنّ هذا النعش يحملنا معاً فوق الأكُفّ ؟
أنا وأنتَ نسيرُ كلٌّ في اتجاه,
حيث ترجعُ بي الحياةُ القهقرى
نحوالصباحات التي أخليتَها
وتُشيح أنت بقلبكَ المثلوم عن آلات فحص الضغط
في غرف العنايةِ,
مَن سيعصمني غداً مما يخبّئ تحت أعشاب الخديعةِ
خنجرُ الزمن الخفيُّ؟
ما قيمةُ الأشعار يرفعها التخيُّلُ
مثل سارية على الأمواج؟
ما نفْع النهارات التي يصحو بدونكَ
جذرها المقطوعُ ,
والضحكاتُ تخبطُ في متاهتها
ولا تلوي على أملٍ ؟
وما جدوى النجوم تذود عن أحزانها بدموعها
وتظلُّ ناقصةً بلا عينيكَ ,
والجلساتُ يقصمها وقد غُيّبتَ عن سهَراتها
خرَس خفيُّ
أنا ذلك الطفلُ الذي خلّفتَهُ في عهدة الهذيان,
أمشي خلف نعشك مستظلاً
بالسماوات التي صدئتْ أرائكها الوثيرةُ ,
واستغاثَ بعجزها ألقُ ابتسامتكَ الرضيُّ
ولكمْ أودُّ الآن أن تصحو ولو لدقيقة ,
لتشدَّ أزْر تلفُّتي الخاوي الى ينبوع حكمتك المغيَّضِ,
للدماء المستقيمة في عروق يديكََ ,
للطيران عكس هبوب ريح العالم الهوجاء,
حيث تغلّفُ الدنيا قتامتها
بأقنعةٍ يموّه خبْثها الزمنُ البخيلُ
وأودُّ لو تصحو قليلاً يا أبي
لتميطَ عن روحي براءتَها التي ماانفكّ يخنقها
بَريقٌ زائفٌ لمدائن رثّتْ
وأفئدة تلطّخها الوحولُ
علّي إذا استيقظتَ أسمعُ منكَ
ما يشفي غليلَ تعطُّشي ليديك
تنتشلانني من وحشة القيعان ,
حيث النائباتُ كثيرةٌ وأنا قليلُ
أبْطئ خطاكَ لكي أحدّث عنك َ
مَن لم يكبروا في ظلّ قامتكَ الوريفةِ,
مَن إذا افتقدوك لن يتعرّفوا أبداً
على روح بهذاالطهْر والعوَز العفيف ,
وحين تسألني ابنتايَ
وقد تعذّر أن يناما بعدُ في أحضان جدّهما,
عن الرجل الذي استعصتْ على الذكرى ملامحُهُ
أقولُ :
كان أبي سراجَ البيت في الظَّلْماء,
حصّتنا من الآلام وهي تذودُ بالصلوات
عن فجرٍ تقطّرُهُ الوداعةُ كالأهلَّة فوق رمَّان القرى,
وربيبَ صوم الزنزلخت عن الروائح,
كان أطْول من خرير النهر في الوادي,
وأكثرَ رقّةً من صوت نادبة على الموتى
وأوْهى من ترنُّح طائر تحت النسيم,….
( من قصيدة ” لا تبتعدْ في الموت أكثرَ “
في الذكرى التاسعة لرحيل أبي )
# الشاعر شوقي بزيع / لبنان