# ينشر موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي والفني نص الحوار الكامل مع الناقد والباحث الدكتور وجيه فانوس الذي جرى مع عدد من الشعراء والمثقفين والإعلامين عبر صفحة مجموعة ” حبر أبيض ” الفيسبوكية .
اللقاء الذي جرى يوم السبت الماضي في 6 شباط أرسله إلى موقعنا الشاعر مردوك الشامي الذي إستهل المقابلة بالقول :
منذ عرفته قبل أكثر من ربع قرن ، سحرني فيه شغفه الدائم بصناعة المصابيح، برفع عمارة الابداع عاليا، شدّني إليه وهو الكبير تواضعه، وهو الكثير تفانيه للآخرين ، وسعيه الدائم أن يحرث حقول الفكر بكفّين من ضوء وضوع.
ما عرفته إلا ساهراً على الفكر وتكريس كل فارق جليل في الشعر والأدب والنقد والأداء الثقافي بشكل عام.
أكاديميٌّ بامتياز ، وموسوعيٌّ بلا حدود، نتاجه مؤلفات ومواقف ومواجهاتٌ بنّاءةٌ واشتعال من أجل الجميع..
البروفيسور الناقد والباحث والصديق الأصيل وجيه فانوس ضيفنا في ملتقى جبر أبيض، ضيف سنفتح معه بوابات الأسئلة عن النقد الأدبي في عالم العرب، وعن الشعر والمسيرة والحياة..
نكبر بوجوده بيننا ..
والرحلة بدأت:
مردوك
اللقاء:
1) مردوك الشَّامي
o بداية ارحب باسمي وباسم إدارة وأعضاء حبر أبيض بضيفنا النبيل الدكتور وجيه فانوس وأطرح عليه هذه الأسئلة:
أشكر للصَّديق العزيز، الشَّاعر الأستاذ مردوك الشَّامي، ما يبذله من جهد في سبيل تنشيط جوانب من الفعليَّة الأدبيَّة الثقافيَّة، في هذه المرحلة الصَّعبة من عيشنا في لبنان؛ خاصَّة وأن الأستاذ مردوك، ومن هم معه من أهل الأدب والثقافة، يقومون بهذه المساعي بمبادرة منهم، ومن دون أيِّ دعمٍ رسميٍّ من أيَّة جهة كانت. وبرأيي، ومن واقع تجربتي ومعاناتي، أقول أن هكذا تبنى الثقافة الحقَّة، بعيداً عن أيَّة وصاية رسميَّة لا يمكنها، بحكم رسميتها، إلاَّ أن تكون محدودة النَّظر وضيِّقة الأفق ومرتهنة إلى توجهات أهل السلطة.
o على ضفتين وقفت خلال مسيرتك: ضفة العمل الأكاديمي والإدارة في الاتحاد وسواه من مواقع، وضفة الكتابة .. إلى أي درجة سرق منك العمل وهج وغواية الابداع، وكم أنعكس عليك تعباً، كي لا أقول سلباً، عدم التَّفرُّغ لصناعة الضَّوء؟
تشرَّفتُ إذ عملت في الميدان الأكَّاديمي، أستاذاً جامعيَّاً وباحثاً في مجالات الأدب والحضارة والتَّربية؛ وأسعد إذ تسنَّت لي ظروف الكتابة والنَّقد خارج جدران المعاهد الأكاديمية، كما لا أكتم تحمُّلي لمشاق الإدارة، أكان ذلك في توليَّ مهام إداريَّة في الجامعة أو في مؤسسات أخرى، منها اتحاد الكتاب اللبنانيين، واليوم في المركز الثقافي الإسلامي. واعترف، بكل بساطة، أني كنت في كل هذا الذي قمت به، انطلق من طبيعة وجودي وحقيقة تكويني. لقد مارست الأكاديميا، بمفهوم أني خريج جامعة أكسفورد، التي لا يكتمل تخرج طلابها فيها، إلاَّ بأدائهم قسماً علنيَّاً، كما الأطباء، باحترام الأكاديميا ومعاييرها والسَّهر على تعزيزها وتشريف انتمائهم إليها. ومارست الكتابة، طيلة محطَّات حياتي، وحتَّى هذه اللحظة، متطوِّعاً، من دون أي أجر ماديِّ على الإطلاق، فعشت عبر هذه الممارسة حريَّة فكري ورأيي واعتقادي،؛ وكانت لي في الإدارة مساعٍ جرَّبت فيها أن أحقق قيماً آمنتُ بها وعشت من خلالها. واعترف أنَّ ولا واحدة من ثلاثي الأكاديميا والكتابة والإدارة، قد شغلتني عن رفيقاتها، لطالما درَّست وبحثت، ولطالما كتبت انطلاقاً مما درَّست ومما بحثت، ولكم جهدتُ في أن أكون في إدارتي، متوافقاً مع المبادئ الحياتية الأساس، لما درَّست وبحثت. لا أنكر أنَّ كثيراً من كتاباتي، انتشر بكثرة في السنتين الماضيتين، لكني أؤكِّد أن كلَّ هذه المنشورات هي نتاج تخمُّر سنوات العمر التي أمضيتها في الأكاديميا والكتابة والإدارة.
o ثمة عتب كبير على النَّاقد الأكاديمي أنَّه لا يغادر المدارس النَّقديَّة المعلَّبة ولا قاعات التَّدريس، ليكون مع النُّصوص وأصحابها في شوارع الحبر والحياة؛ ثمَّة غياب للنَّاقد، ترك الحبل على الغارب، لكلِّ هذا التَّهتُّك في النِّتاج الشِّعري والأدبي عموما. ماذا تقول في ذلك؟
إنَّ الأكاديمي الذي يبقى قابعاً بين جدران مكتبه وقاعات تعليمه، هو مدرِّس أكاديميٍّ؛ وهذا يعني أنَّ أكاديميته ناقصة، ونظريَّة، إذ لا يُدْخِلها إلى رحاب الحياة؛ وإني من الذين يرون أن الأكاديميا نظرٌ يسعى إلى فهم الحياة، ويعمل جاهداً إلى العيش الفاعل في رحابها. وقد يكون بعض الأكاديميين قد اكتفوا بالوجود النظري لما حصَّلوه، أكان وجودهم أدبياً أو من أي واحدٍ من ميادين الفكر والمعرفة؛ غير أن هؤلاء يبقون، عمليَّاً، عند الضِّفاف الأولى للأكاديميا.
o من خلال تجربتك أستاذاً وناقداً ومؤرِّخاً وكاتباً، كيف تجد الشِّعر العربي اليوم؛ بل كيف تجد اللُّغة؟
“الشِّعر”، قبل أن يكون عربيَّاً أو غير عربي، مسعى تعبيري جمالي لرؤية الحياة والعيش فيها؛ ولمَّا كان كلُّ مسعىً جماليِّ يرتبط بمفاهيم صاحبه وقِيَمِهِ وبيئته، إذ المرء شاء أم أبى، لا يكون إلاَّ من بيئته، وحتى حين هو يرفضها، فرفضه لها تأكيدٌ واضحٌ على انبثاقه منها؛ فإنَّ الشِّعر العربي، لا يمكن أن يكون إلاَّ ضمن هذا المسعى الجمالي، المرتبط بمفاهيم أصحابه وقِيَمِهِم وبيئاتهم؛ بكلام آخر، الشِّعر العربيُّ ابنٌ شرعيُّ شديدُ الأصالةِ للبيئة الثَّقافيَّةِ الحضاريَّةِ العربيَّةِ التي يعيش فيها الشَّاعر؛ وهي بيئة ما انفكَّت تغلب فيها ردَّة الفِعل على الفِعل، وكثيراً من الوصفِ الإنشائي على الإبداع التَّحليلي.
2) هدى عيد
o كيف ينظر النّاقد الباحث، د. وجيه فانوس، إلى الّلغة العربيّة في زمننا الحالي؛ وهل تمكّنت “العربيَّة” من تحقيقٍ إبداعيٍّ تراكميٍّ، منحها هوّيةً متجدّدةً تواجه بوساطتها هجمة العولمة، وعمومَ الّلغات الأجنبيّة، لا سِيَّما الإنكليزيّة منها؟
بإمكان أيِّ باحث متخصِّصٍ في الشَّأنِ اللّغويِّ العام، وخاصَّة في مجال عِلم اللُّغات المقارن، أن يلحظ مدى الغنى والطواعيَّة اللذين تكنزهما اللغة العربيَّة؛ إذ هي لغة واسعة أمداء الألفاظ والتراكيب والبنى، ناهيك بقابليَّتها المذهلة على قبول الاشتقاق، ومطواعيَّتها في تبني الغريب وقولبته ضمن صياغاتها وجِرسِها؛ فالمشكلة الإبداعيَّة، ليست على الإطلاق في اللغة العربيَّة، بقدر ما هي مشكلة في عمق وجود هذا العقل العربي الساعي إلى استخدامه لهذه اللغة. العقل العربيُّ المعاصِر، يشكو وهناً ما في قدراته على استخدام العربيَّة بكل ما فيها من قابليَّات وإمكانات وغنى عام. يشكو العقل العربي، بصورة عامَّة، وليس في المجال اللُّغوي وحده، من خَوَرٍ في ثقته بقدراته الذاتية، كما يعاني كثير من ناسه من هَلَعٍ في التَّعامل الإيجابيِّ مع كثير من الوافد الأجنبي الذي لم يألفوه بعد.
3) سمية تكجي
o في زمن كورونا، القراء عادوا إلى إعادة قراءة الأعمال الأدبية الكبيرة التي تتناول الأوبئة المختلفة التي توالت عبر العصور، روايات كاموس، و جيوفاني بوكاسيو و سراماغو و غيرهم؛ كيف ينظر الباحث والنَّاقد الدكتور وجيه فانوس إلى “أدب ما بعد كورونا ” هل سيشهد الأدب أعمالا عظيمة كما في السابق و خاصَّة في الرِّواية؟
لعلَ مِن محاسنِ هذا الحَجْرِ المنزليّ،ِ الذي نُعايشه في هذه الأيَّام، أنَّنا عُدنا، بما صار لنا من فُسحاتِ الوقتِ الواسعةِ، إلى المَكْتوباتِ الأدبيَّةِ الكُبرى، وخاصَّةً تلك التي طالما ظلَّت مركومةً على بعض رفوف مكتباتنا، أو ما عتمت محشورةً في صناديقٍ عتيقةٍ لنا، كاد بعضُنا ينسى ما وضعه فيها. وإذا ما كان من تساؤلٍ جدِّيٍّ ومحقٍّ عن ما يمكن أن يسمَّى “أدب ما بعد كورونا”، فإنَّ هذا “الأدب”، إن ظهرَ، فهو دليل على حيويَّة الكاتب العربيِّ ورغبته في مواكبة الحدث؛ كما أن أيَّ إمكانيَّةٍ لظهور هذا “الأدب”، إنَّما قد تكون مَلْمَحاً بيِّناً لوضعِ إبداعٍ أدبيٍّ عربيٍّ، قد يكون عظيماً ومقيماً في الوجود الأدبيِّ العربي، وقد يكون بسيطاً وعابر سبيل في هذا الوجود؛ يتوقَّف الأمر، كلُّه، على مدى عُمقِ الثَّقافة الإنسانيَّةِ للمُرسِل الأدبيِّ وعلى مجالات اتِّساعها المعرفيَّة والتَّعبيريَّة وغِنًى رؤاها الجماليَّة.
4) ميشلين مبارك
o كيف كانت تجربتك، دكتور، مع اتحاد الكتّاب اللبنانين؛ وما كنت تتمنى تحقيقه ولم تستطع.
انتسبتُ إلى “اتِّحاد الكُتَّاب اللُّبنانيين” منذ سنة ، زمن ولاية الأمين العام الأستاذ أحمد سويد سنة 1984؛ فأنا اليوم في السَّنة السَّابعة والثَّلاثين من سنوات العضويَّة، التي لم تتوقَّف على الإطلاق؛ ولعلِّي أكون، بهذا، من أقدمِ أعضائهِ الذين لم ينقطعوا عنه وعن مرافقة شؤونه وشجونه وتطوُّرات أحداثه.
عشت في عضويَّة الهيئات الإداريَّة للإتِّحاد، طوال ثلاث وثلاثين سنة؛ بين “أمين الشُّؤون الثَّقافيَّة”، في ولاية الدكتور روحي البعلبكي، و”أمين عام مساعد”، في الولاية الأولى للشَّاعر جوزف حرب، و”نائب الأمين العام”، في الولايتين الثَّانية والثَّالثة للشَّاعر جوزف حرب وفي ولاية الأستاذ سليمان تَقِيِّ الدِّين، و”أمين عام” لولايتين لي.
شاركتُ، عبر مسؤوليَّاتي في “اتِّحاد الكُتَّاب اللبنانيين”، بنشاطاتِ “الاتِّحاد العام للأدباء والكُتَّاب العرب”، ممثِّلاً أساساً لإتِّحاد الكتَّاب اللبنانيين، طوال ثمان وعشرين سنة؛ تسنَّى لي فيها أن أكون “نائب للأمين العام للإتِّحاد العام للأدباء والكتَّاب العرب”، لدورتين اثنتين متباعدتين، أولاهما دورة سنة 2003، في ولاية الدكتور علي عقلة عرسان، وثانيتهما، بعد ذلك، في دورة 1916، في ولاية الشَّاعر حبيب الصَّايغ؛ ثم تشرَّفتُ أن صار اختياري “المستشار العام للأمانة العامَّة للإتِّحاد العام للأدباء والكُتَّاب العرب”، دورة 2019، في الولاية الثَّانية للشَّاعر حبيب الصَّايغ، والتي انتهت، بوفاته المفاجة، بعد أقلّ من سنة.
هذه تجرية أغنت ثقافتي الاتِّحاديَّة، على الصَّعيدين اللُّبناني والعربي؛ كما مكَّنتني من فهم كثير من مجالات الحراكات الثَّقافية والأدبيَّة في لبنان والعالم العربي’ وكان أن شجَّعتني على توسعة دوائر نشاطات إتِّحاد الكتَّاب اللُّبنانيين، خارج مزالق الطَّائفية والمذهبيَّة والمناطقيَّة، التي ما انفكَّت تفتك بعقول كثيرين؛ كما شجَّعتني وساهمت في مساعي أن يكون اتِّحاد الكتَّاب اللبنانيين محرِّكاً أساساً في مجالات العمل ضمن اتحادات الكُتَّاب العرب وروابطهم الأدبيَّة؛ بل إنَّ “اتِّحاد الكتَّاب اللبنانيين”، أصبح، في هذه الآفاق، مرجعاً ومُنشِّطاً لايستهان به.
بذلت جهداً، في “اتحاد الكتَّاب اللبنانيين”، في سبيل إصدار سلسلة سنويَّة من الكتب، بعنوان “دراسات وشهادات”، تكريماً لإتِّحاديين؛ وتمكَّنتُ من إصدار كتب عن “جوزف حرب” و”محمد علي شمس الدِّين” و”محمَّد كريِم” و”أنور سلمان” و”باسمة بطولي”؛ وكنتُ أعِدُّ العدَّة لإصدار كتاب عن “عبد الكريم شمس الدِّين” وآخر عن “طارق ناصر الدِّين”.
عملت على حصول غير المضمونين صحيَّاً واجتماعيَّاً من أعضاء الإتِّحاد، على تأمين ما قد يحتاجون إليه من ضمان صحيٍّ واجتماعيٍّ، بالسَّعي الحثيث، طيلة سنوات، إلى انتساب “الإتِّحاد” إلى الصُّندوق الخاص للضَّمان في “وزارة الثَّقافة” في لبنان؛ ولقد تمكَّنت من استخراج دراسة من مكتب “وزير الثَّقافة”، في حينه، الأستاذ “ريمون عريجي”، تُثبت حقَّ “الإتِّحاد” في الانتساب إلى هذا الصُّندوق.
وجدتُ نفسي مضطرَّاً إلى اتِّخاذ قرار الانسحاب من “الهيئة الإداريَّة” للإتِّحاد؛ وآثرتُ، مذاك، أن يكون هذا القرار، بالنِّسبة لي، بأقسى ما يمكن مِن الصَّمت المدوِّي. وليس الآن الوقت المناسب، على الإطلاق، لا لكسر الصَّمت، ولا لِاكْتِتامِ الدَّوي.
5) منى مشون
o تركت فراغاً كبيراً في الاتحاد العام للكتاب اللبنانيين وشاءت الظروف والأحداث ( ثورة ١٧ تشرين ) ان يقع الانقسام بين اعضاء الاتحاد شانه شأن مكونات الوطن ككل
السُّؤال الأوَّل : ما هو مستقبل “الاتِّحاد” في ظلِّ هذا الَّتشرذم ؟
السُّؤال الثَّاني : وهل ما يزال له دور في ردم الهوَّة بين الكُتَّاب والمثقفين المتعدِّدي الانتماءات الخارجيَّة والطَّائفيَّة والمذهبيَّة والحزبيَّة ؟
طالما ثمَّة وعي ثقافيٌّ جادٌ في لبنان، فاتِّحاد الكتاب اللبنانيين ضرورة لا بدَّ من العمل ضمنها وعليها في جميع الأوقات والأحوال والمناسبات؛ إذ الاتحاد وجود جامع للكتاب اللبنانيين، وكم نحن بحاجة ماسة إلى هذا الجمع؛ وإذ يجب العمل على تأمين الاتحاد فسحة حريَّة فكر سامية، بعيدة عن الاستنساب والفوضى، فالاتِّحاد رحابة فضاء لن يمكن العيش من دونه.
6) أدونيس الخطيب
o كيف يمكن الارتقاء “بمثقَّف” من المستوى المتدنِّي، المنغمس بالاحقاد الطَّائفيَّة والحزبيَّة، إلى مثقَّف حقيقيٍّ، ذو دورٍ وطنيٍّ وانساني فاعل بالحياة؟
يمكن لأي باحث رصين، في الوجود اللبناني المعاصر، أن يجد في غالبيَّة مناحي الثَّقافَةِ السِّياسيَّةِ اللُّبنانيَّةِ، وجوداً لمواطِنٍ، ؛ بلْ ثمَّةَ وجودٌ لِطَوائِفٍ؛ وبدقَّةٍ أشدَّ تحديداً، ثمَّةَ وجودٌ لِمذاهِب. وبمراجعةٍ بسيطةٍ لِواقِعِ الحالِ، يمكنُ القول إنَّ ثمَّةَ سيطرةً ما لِتَمْثيلِ الطَّائفةِ، كما المذهبِ، ثمَّ تَحَوَّلَ الأمرُ، في المراحلِ المتأخِرةِ، وبصورةٍ جَلِيَةٍ منذُ السَّنواتِ القَليلةِ التي سَبَقَت محطَّاتِ الاقتتالِ الدَّامي في لبنان، سنة 1974، إلى “شَبَكَةِ سُلْطَةٍ سِياسيَّةٍ”، قِوامُها تحالفٌ مُتنافِسٌ فِيما بَين ناسِهِ، يجمعُ قادةَ السِّياسةِ؛ ويقفُ فيهِ رجالُ دِّينٍ وعلماءٌ في شرائعهِ، في ما يُشْبِهُ الصُّفوفَ الخلفيَّةَ المُساعِدةَ لهم عند اللُّزومِ؛ بما يُوَضِّحُ أنَّ الطَّائفةَ والمذهبَ، مِنَ العوامِلِ الخادِمَةِ للمصالِحِ السِّياسيَّةِ، وليس الدّيِنيَّةِ؛ لأِناس مُتحالِفونَ فِيما بَيْنَهُم على تنافُسٍ شخصيٍّ في استغلالِ ما في البَلَدِ مِن ناسٍ وخَيْراتٍ وإمكانيَّاتِ كَسْبٍ.
لقد أَثْبَتَت الأحداثُ المُتعاقِبَةُ على لُبنان، وخاصَّةً مُنْذُ مَحطَّاتِ الاقْتِتالِ الدَّامي، التي بَدَأَت سنة 1974، أنَّ الثَّقافَةَ السِّياسيَّةَ للطَّائِفَةِ والمَذْهَبِ، لَمْ تَعُدْ تُلَبِّي المصالِحَ الفِعْليَّةَ والحقيقيَّةَ العمليَّةَ للمُواطِنِ؛ أيَّاً كانت طائفتُهُ أو مَذْهَبُهُ؛ فما التَّعدٌّدِيَّةُ الطَّائفِيَّةُ والمذْهَبِيَّةُ، وفاقاً للتَّجربَةِ، سوى خدمةً لِمصالِحِ زعامَةٍ فرديَّةٍ أو أشخاصِ قيادَةٍ سياسيَّةٍ جمعِيَّةٍ. ثمَّة مطالبُ عيشٍ وطموحٍ اشتركَ فيها أُناسٌ يَنْتَمونَ إلى مُخْتَلَفِ الطَّوائفِ والمذاهِبِ؛ وثمَّة أذىً مُشْتَركاً في الوجودِ الإنسانيِّ والوطنيِّ، لَحِقَ بِكثيرٍ؛ رَغْمَ تَبايُنِ انْتِماءاتِهِم الطَّائفيَّةِ أو المَذْهَبِيَةِ. لَمْ يَعُد الانتماءُ إلى الطَّائفَةِ أو المَذْهَبِ بِقادِرٍ على أنْ يَقِفَ حالَ حمايةٍ أو ملجأ خلاصٍ لكثيرٍ من المُنْضَوينَ تحتَ لِوائِهِ.
بدأ مفهوم “المواطنةِ” فرضَ وجوده، بِغَضِّ النَّظرِ عن أيِّ تعدُّدِيَّةٍ طائفيَّةٍ أو مذهبِيَّةٍ؛ بل بات أناسٌ كُثُرٌ ينطقونَ شهادةَ كُفرهم بالطَّائفيَّة والمذهبِيَّة منهجاً للعيشِ الوطنيِّ. ثمَّةَ حقوقٌ ومطالبٌ وطموحاتٌ ورؤىً، باتت واضحةً عندَ كثيرٍ من المواطنين؛ لا تَجِدُ جدوىً وطنيَّةً لها، في مَبادئِ التَّعدُّديَّةِ الطَّائفيَّةِ أو المذهبيَّةِ؛ التي قامت عليها معالمٌ أساسٌ مِنَ الثَّقافةِ الوطنيَّةِ والسِّياسيَّةِ في لبنان، منذُ الإعلانِ عَنْ إنْشاءِ “دَوْلَةِ لُبنان الكَبير”، سنة 1920، بلْ ومنذُ ما قبلِ هذا التَّاريخ. وأتساءل، تالياً، أَما آنَ للُّبنانيينَ، وللمثقفين منهم كما الأدباء، بِما لَديهِم مِن ثَرَواتٍ عقليَّةٍ وغِنىً ثقافِيٍّ، وبما يُمَثِّلهُ أبناؤهُم مِن طموحاتٍ راقِيةٍ، وما يَنْهَضُ في مجتمعِهِم مِن مؤسَّساتٍ أهليَّةٍ ومنظَّماتٍ لِلحقِّ المدنيِّ، وما يَضُمُّهُ بَلَدُهُم مِن تَجَمُّعاتٍ شَعبِيَةٍ واعيةٍ، أنْ يَنْتَظِموا فيما بَيْنَهُم، سَعْياً إلى قيامِ نِظامِ المُواطَنَةِ؛ وهو النِّظامُ الذي يَسْتَجيبُ، قَوْلاً وعَمَلاً، للمادَّةِ السَّابِعَةِ مِن “الدُّستورِ”، إذْ “كلُّ اللُّبنانيينَ سواءٌ لدى القانون، وهم يتمتَّعونَ بالسَّواءِ بالحقوقِ المَدَنِيَّةِ والسِّياسيَّةِ؛ ويَتَحمَّلونَ الفرائضَ والواجباتِ العامَّةِ دونَ ما فَرْقٍ بَيْنَهم”؟!
7) احمد رامي
o في ظل الخراب الذي يعم العالم العربي، هل مازالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها؟
حضور القصيدة، بنظري، يكون بوجودها؛ ووجود القصيدة لا يكون إلاَّ بعلاقة تنشأ بين نصٍّ مُرْسَلِ، من جهةٍ، ومُسْتَقْبِلٍ لهذا النَّصِّ يشارك في وضعه، من جهة أخرى. أمَّا هذا الخراب، الذي يعمّ العالم العربي، فليس بجديد على الإطلاق، وكم من قصائد حقَّقت حضوراً لها في أجوائه ومهاويه ومضائقه. لا يكون النَّصُّ، عموماً، والنَّص الشعريُّ، منه خاصَّة، إلاَّ عبر تلاقح إيجابيٍّ بين الأديب والشَّاعر، واضع النَّصِّ أو مطلقه، من جهة، والقارئِ، مُسْتَقْبِلِ النَّصِّ أو متلقِّيه، من جهة أخرى.
8) تنديار جاموس
o عاش مجتمعنا ولا يزال يعيش حالات من الانفصام بين الحبر والحياة؛ والمثقَّف في غيبوبة، أو في الملتقى والمعتقل؛ من خلال مسيرتك المديدة في العطاء الثقافي والابداعي، على من تضع اللَّوم في هذا المشهد المرير؟
ليفهم كل من يمتلك ذرَّة من مسؤوليَّة توجيهيَّة أو سلطويَّة، بأيِّ توجُّه كانت، أنَّ الحريَّة واجب وحقُّ للفكر والإبداع؛ وأنَّ أيَّ مقاومة لحريتهما تعني قتلاً لكل ما هو فكر وإبداع، أكان هذان الفكر والابداع في دنيا العِلم أو في دنيا الإحساس؛ وليتأكَّد أهل السلطة، في أي موقع هم فيه، أنَّهم منهزمون، وأن الانتصار سيكون دائماً لأهل الحريَّة؛ وهذا ما يثبته تاريخ العلم وتاريخ الأدب، من أيام غاليلو وما قبلها إلى اليوم، ومن أزمنة سقراط وحتَّى اللحظة. أمَّا مرارة “المشهد المعاصر”، فليست، في نهاية المطاف، سوى رمشة عين مؤلمة من مسيرة الحريَّة؛ ولا بدَّ تالياً، من الصَّبر والمتابعة، والتَّأكيد على مقولة الشاعر أحمد شوقي ” وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي/ وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا/ وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ/ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا”.
9) حبيب يونس
o سؤالي للدكتور الصديق وجيه فانوس: عملتُ نحو سنتين على تحقيق ملحمة الرَّاحل جوزف حرب “المحبرة”، وتدقيقها؛ بعدما أمضى الشَّاعر الكبير سبع سنوات، أو أكثر، في تأليفها. أي متعةٍ شعرتَ بها، وأنتَ تسبر أغوار الكون والإنسان، بعناوينها الكبرى وتفاصيل سماواتها الوسيعة؟
يمثِّلُ لي، الكبير الكبير جوزف حرب، والذي تحلُّ الذكرى السَّابعة لوفاته خلال اليومين المقبلين، غنىً فاحشِ الثَّراء، في مسيرة وعيي الثقافي؛ فقد اجتمعنا سوياً، طيلة عمرٍ محبَّة وتفاهم مديدين امتدّاَ لأكثر من خمس وعشرين سنة؛ وكانت لنا في تلك السَّنوات سفراتُ معرفةٍ وجولات ثقافةٍ ولقاءاتُ وعيٍّ ومشاركاتُ نضال، تركت جميعها في عقلي ووجداني بصمات كبيرة دائمة.
شكَّلت “المحبرة”، في السَّنوات العشر الأخيرة من اجتماعي المباشر مع جوزف، محطَّة قائمة بذاتها؛ ومنها أنَّه آثر الاحتجاب عن الدُّنيا حوالي سنتين متتاليتين، ما كنت “أرى” منه، أو إن شئتَ، أسمع منه، في تينك السَّنتين سوى صوته الخافت المتهدِّج، إذ يطمئن عنِّي وعن عائلتي، ويؤكِّد لي أنَّه ما برح بخير. وكان أن التقينا، بعد ذلك، فإذا بشبح ناحلٍ يحتلُّ جسد جوزف، الذي، وبِخفوتِ صوتٍ متزايدٍ عمَّا كنت أعرفه منه، وقد التحقت بذيَّاك الخفوتِ بُحَةٌ قَلِقَةٌ، يفاجئني بقوله “أنهيتُ قراءةَ مخطوطِه ذاك الذي بعثه إليَّ؛ ولقد أجزتُ لهُ ما وضعه فيه”!
إنيِّ إذ أكون في حضرة جوزف حرب، حيَّاً كانَ أو متوفِياً، إنساناً أو شاعراً، واضع “المحبرة” أو الملك المتوَّج على “مملكة الخبز والورد”، أو مخاطباً “شيخ الغيم وعكَّازه الرِّيح”، وسوى ذلك ممَّا عرفناه وممَّا برح، محفوظاً في أدراج جوزف الخاصَّة، وقد رتَّبه قبل رحيله ونظَّمه، فأنا، مجرَّدُ مريد يجتهد ما أمكنه الاستيعاب، من حضرة الكبير عميق الثقافة وواسع المعرفة وغني الوجدان وجميل الإحساس ورشيق الصُّورة.
10) إلياس زغيب
o أستاذي الدكتور وجيه فانوس، صاحب الرؤيا والدينامية والفكر الناقد، كيف ترى إلى واقع النَّقد اليوم في العالم العربي؟ وكيف أثَّرت جائحة كورونا في الواقع الثقافي العربي؟
أمَّا النَّقد، والتَّركيزُ، ههنا، أيها العزيز الغالي، على النَّقد الأدبيِّ العربيِّ، فما برح على عهده منذ أن اشتدَّ عوده المعرفي، يساجلُ في ساحات الانطباع ويتودَّد في ميادين الصداقات ويتحفَّز في أودية السياسة ويقع في مهاوي الأعماق الأكاديميَّة. هذه حاله، وما هذا جميعه سوى انعكاس لا بدَّ منه لأحوال ناسه من مرسلين ومستقبلين على حدٍّ سواء؛ وحال النَّقد، كما سواه من أمور الحياة التي نعيش، يخضع لمقولة وردت في النَّصِّ القرآني، الآية 17 من سورة “الرَّعد” تقول ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”؛ فللنَّقد الانطباعي مجالاته ومواقعه وناسه، وللنقد القائم على الصداقات الشخصية والمصالح المشتركة، مساحاته، كما للنقد المبني على توجُّهات السياسية وتبعياتها، رهطه وأتباعه، ولأهل النقد الأكاديمي أتباعهم ومعارضوهم وكل ما يلزم لامتحان أحقيَّة ما يقولن به وصوابيته. هي الحياة تتمثل، أيها العزيز، في مجالات النَّقد مساراته؛ وما الناس إلاَّ عابرون في دروب لها ومسالك وسبل، كلٌّ يأخذ حاجته ويسعى إلى مرضاة فكره وإدراكه ووعيه؛ ولكن الخلاصة الأخيرة، تبقى في أنَّ ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.
11) مارون أبو شقرا
o كيف ترى إلى شعر لبنان اليوم، في مجاليه العامّي والفصيح؟
o برأيكم، ما الفارق بين شعريّة النَّصِّ الرَّحباني وغيره؛ مما عرفه الغناء المصري مع السيِّدة أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب؟
o ما القديم الذي يعتبره بعض العرب مقدّسًا؟
الشِّعر، في مفهومي، شِعرٌ، أكان يستخدم لغة فصحى أو محكيَّة. اللغة، ههنا، أداة، ويكون الغرض الأساس، في تحقيق الشِّعريِّ. لذلك، ترى أنَّ سعيد عقل، على سبيل المثال، شاعر كبير رائع في الفصحى كما في العاميَّة، وقد تميل أحياناً إلى شعر له بالمحكيَّة أكثر مما تميل إلى شعر له، أيضاً، ولكن بالفصحى.
الطَّاقة الشِّعريَّة هي الأساس، ويلي ذلك التمكُّن الفاعل والخلاَّق من استخدام اللغة. أمَّا شعريَّة النَّص عند “الأخوين رحباني” وسواه في ما غنته السيدة أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب، فموضوع لا يستقيم، ههنا؛ إذ “الأخوان رحباني”، هما واضع النَّصِّ، أيَّاً كان من يغنيع؛ أما أم كلثوم وعبد الوهاب، فمغنيان لنصوص كثيرة لشعراء متعددين.
إنَّ القديم الذي يعتبره بعض العرب مقدَّساً، فحدِّث ولا حرج، من بقايا فلان أو فلان، إلى طقوس اعتدها هذا أو ذاك، إلى فكر عاشه من عاشه من ناس الماضي، إلى قيم ومفاهيم استحسنها شخص واصطفاها لسلوكه مفكر أو عالم أو زاهد أو ماجن، في مرحلة ما من دهرٍ ما. يكمن الموضوع الأساس في المقدرة الحقيقية على تجاوز التفكير الماضوي.
12) ميار برجاوي
o تنطر إلى المثقف بوصفه: “ضمير الأمّة وصوت الحق برؤيته ورؤاه”، هي القاعدة ولكن الواقع مخالف كثيرا، فضمائر العديد من المثقفين باتت مرتهنة وحرف الباطل يفوق حرف الحق وصوته، فلماذا؟ ما الذي بدّل وبدّد تلك الرؤى؟ وما السبيل لاستنهاض ضميره وصوته في زمن تبدّلت به المعايير تحت مبررات معقّدة؟
o “ظلّ المثقف في لبنان حريصا على ما اعتاده الناس منه، وما اعتاد هو عليه من مهام الريادة والاستكشاف وظلّت الصحف الأدبية ودور النشر تصدر وتقدّم”. لكن اليوم الصحف وأعرق صحف لبنان أقفلت والعديد من دور النشر تتخابط في أزمة مال ومعرفة في آن، فأي محنة يعيشها لبنان النشر والصحافة وكيف انعكس ذلك على مهام الريادة والاستكشاف؟
o ثمّة تباين شاسع بين ما هو شعر وما هو شعري” وتتوسّع في شرح العبارة بأنّ “الشعري هو بداية هذه الطاقة الكامنة في النص والقادرة على توصيله للآخر…” أسأل هنا سؤالين الأول يتعلّق بالطاقة، ما هيّة هذه الطاقة وكيف توظّف بشكل سلس ومؤثّر؟ وثانيا على ضوء التباين بين ما هو شعر وما هو شعري، ما الفرق بين الإنسانية وما هو إنساني؟
o بخصوص اتحاد الكتّاب اللبنانيين، سبق لك وعبّرت بأنّ “وجع اتحاد الكتّاب اللبنانيين لا ينتهي”. حضرتك كنت الأمين العام للإتحاد في مرحلة سابقة. اليوم كيف تنظر إلى واقعه بعين النقد؟ قبل استقالتك، هل تعتبر نفسك أورثت الاتحاد وجعا وتحدّيات عجزت عن التصدّي لها؟ ولو كنت لا تزال في منصبك اليوم وفي الظروف العصيبة هذه التي شهدنا فيها سجالات كثيرة أيضا بين الكتّاب، هل من خطوات أو مواقف مغايرة كنت اتخذتها؟
o ترى أنّنا نعاني في الوطن العربي من تردٍّ ثقافي عامر، لا تكاد تسلم منه دولة. وحضرتك درست خارج لبنان أيضا. أي مسؤوليّة تتحمّلها الجامعات العربية في التردّي الثقافي؟ وأين يكمن جوهر التمايز الثقافي والفكري الذي لاحظته في تجربتك بين العالمين الغربي والشرقي والذي ينعكس على النهضة العربيّة التي طالما تحدّثت عنها؟
o دعوت في أحد الحوارات معك إلى العمل الدؤوب على ترشيد الثقافة الجمعيّة للمجتمع وعلى تشجيع النقد الأدبي الجاد والمسؤول عبر المنابر الرصينة والمنتديات الجادّة. ما هي مقترحاتك العمليّة لترشيد الثقافيّة الجمعيّة للمجتمع وخلق قابليّة للثقافة تواجه القابلية للتقوقع في الجهل؟ وما نصيب النقد البنّاء إجتماعيًّا من هذا الترشيد؟
o كما عبّرت: “يشهد النتاج الشعري في لبنان، منذ منتصف القرن العشرين، لتجارب عديدة في استخدام اللغة، بشكل عام والتنقّل بين العربية والفصحى والمحكية” الجدل بخصوص الفصحى والمحكية قائم ودائم، ما موقفك منه؟ كيف يجب استثماره لصالح اللغة عوض الانتقاص منها بسجال يُضعفها؟
o حضرتك من المتأثرين بالشيخ عبدالله العلايلي، وأذكر تفاصيل كثيرة من اللقاء الذي صوّرناه معك قبل سنوات لعمل وثائقي عنه، ومن جملة ما ذكرته عنه أنّه “لم يلق الدعم السياسي الحقيقي ولا الدعم الشعبي الجماهيري الواسع، فبات وكأنّه على خلاف حقيقته مفكّر يحصر وجوده بنخبة معيّنة من ناس زمانه دون سواها”، ما هو أبرز سبب أو عامل أو هاجس حجب الدعم الرسمي كما الشعبي عنه؟ لو أنّه موجود اليوم في ظل هذه الأزمات والتحديات ماذا سيكون موقفه أو أثره؟ وألا ترى أنّه هو بنفسه يتحمّل مسؤولية حصره بصفة اللغوي وإطار النخبة كما يتحمّل كل عالم أو شخص جزء من مسؤولية بعده عن الناس؟
o الزمن وحده هو الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيب في ساحة الرواية” لماذا اعتمدت تعبير “الخبيث” في المقارنة عوض تعبيرات من قبيل السيء والجيّد؟ الخبث في ساحة الرواية أخطر أم الخبث في ساحات الحياة؟ وهذا الخبث الروائي كيف ينعكس على اللغة وعلى الحياة ككل؟
أرى في هذه المجموعة الرَّائعة من الأسئلة والقضايا، التي تتفضَّلين بطرحها ههنا، ما يمكن أن ينهض أساساً لحوار مطوَّلٍ، قد يستغرقُ كتاباً بكامله، في شؤون الأدب والثَّقافة؛ وأنا على استعداد لمشاركتك تحقيق هذه المهمَّة إذا ما أردتِ. ومع هذا:
ليس كلُّ من رأى في نفسه أنَّه مثقَّف، أن يكون فعلاً مثقَّفاً؛ وكذلك، ليس كل من قال له أصدقاؤه أنَّه مثقَّفٌ، صار بالفعل مثقَّفاً. المثقَّف، حقَّاً، هو ضمير الفكر والعصر والاختصاص الذي يعمل في سبيله؛ ولذا، فهو أبداً إلى جانب المعارضة؛ وعلى هذا، فإنَّ أيَّة مهادنة أو محاولة تَوَدُّدٍ، إنَّما هي من باب النِّفاق، وليست من باب الثَّقافة، كما أنَّ صاحبها ليس بمثقَّف.
أن تتراجع فاعليَّة المثقَّف الحقِّ في لبنان، فأمر مرتبط بطبيعة القيم والمفاهيم الجاهلة أو الضَّالة التي تتحكَّم بالقوم؛ وعلى المثقَّف الحقِّ، ههنا، أن يبقى على قناعاته ويتابع نضالاته؛ هذا إذا ما استطاع إلى الأمر سبيلاً، أو أنه يخسر موقعه الثقافي.
تتكوَّن طاقة الشِّعريِّ، في نظري، من طاقات إحساس معيَّنة تتجانس مع قدرات معيَّنة أخرى في استخدام التَّعبير، يضاف إلى هذا مقدرة على استكناه قيم جماليَّةٍ أو ابتداعها؛ والفرق بين الإنسانيَّة والإنساني، هو تماماً كما الفرق بين الشِّعر والشِّعري؛ الانسانيَّة هي المفهوم العام للإنسانية الذي يرى النَّاس أنهم متوافقون عليه هويَّة للإنسان؛ أمَّا الانساني، فهو، بشكل عام، القدرة الخاصة بكل إنسان على تحقيق هذا المفهوم.
تحدَّثتُ في موضوع اتِّحاد الكتاب، خلال إجابتي لسؤال الصديقة العزيزة ميشلين مبارك؛ فيؤمل تفضلك بالعودة إلى ذلك الحديث.
تتحمَّل الجامعات الأكاديمية العربيَّة مسؤولياتها، عندما تؤكِّد البعد الأكاديمي والثقافي الجوهري لوجودها، ولا تسعى لأن تكون فقط مجرَّد مؤسسات تبيع العلم لمن يدفع القيمة التي تحددها له. أمّضا يميز الثقافة العربيَّة علمَّة، من الثقافة في العالم الغربيِّ، إجمالاً، فأرى أن الثقافة العربيَّة، منذ مطلع القرن العشرين، على الأقل، تفتقد إلى الحسِّ التَّحليلي التَّفكيكي والتَّركيبي، وما برحت تجد ذاتها منَّعمة في دنيا قبول الأمور والانفعال بها، من دون ما تحليل منطقيٍّ لها أو نقد عقلانيِّ واعٍ لمعطياتها؛ وهذا ما يدخل في صلب ما فتئتُ أدعو إليه من ترشيدٍ للثقافة الجمعيَّة للمجتمعِ وخلق قابليَّة للثقافة تواجه قابليَّة القوقع في مهاوي الجهل وتحاربها.
أجبت عن تساؤلك في موضوع “الفصحى والمحكية”، في إجابتي على سؤال الصديق مارون أبو شقرا؛ فيؤمل تكرُّمك بالعودة إلى ذلك الجواب.
أعتقد أن ظروف الشيخ عبد الله العلايلي، الشخصيَّة مع تلك التي أحاطت به، دفعته كما دفعت كثيراً من النَّاس، إلى التركيز على ما قدَّم من جوانب لغويَّة؛ وواقع الحال، فالعلايلي أعمق من هذا بكثير وأشد اتِّساعاً ثقافيَّاً واننتاجيَّاً.
لئن قلتُ إن “الزَّمن وحده هو الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيِّب في ساحة الرواية””؛، ولم اعتمد تعبير “السيء” أو “الجيّد”؛ فهذا يعود إلى أني أبأ أن أكون، بذاتي، حَكَماً نهائيَّاً على أيِّ أمر.
13) سليمان الخوري
o هل ترى أنه يجدر تبسيط النص في اللغة العربية، في سبيل أن يستسيغها جيل هذا العصر، كي تبقى فاعلة ولغة حية بجدارة؟
o ماذا عن العمل حيال التَّعريب وتحديث اللغة العربية، لمواكبة المصطلحات الراهنة، وبخاصة التكنولوجية؟
اللغة، برأيي، وخاصَّة “العربيَّة”، أداة حيَّة ومطواع، بقدر من يستخدمها على الإفادة من حيويتها ومطواعيتها؛ فأمر تبسيط “النَّصِّ العربيِّ” أو نعقيد، يخرج عن حدود اللغة، ليقع ضمن مسؤوليَّة مستخدم اللغة ومقدراته في هذا الاستخدام. أمَّا، ما تشير إليهِ، من مجالات التَّعريب، وتحديث اللغة مواكبةً للمصطلحات الرَّاهنة وبخاصَّة التكنولوجيَّة منها، فالأمر شديد الوضوح إذا ما ميَّز المرء ما بين “اللسان”، الذي هو أساس ثابت للغة، و”اللغة” التي تقف وجوداً حيَّاً متفاعلاً بإيجابيَّةٍ مرنةٍ مع العصر والبيئة والمعارف.
14) جمانة نجَّار
o هل تجد المثقف اليوم جديرا بحمل الأمانة، وقادرا على تغيير المجتمع نحو الأفضل؛ أم إنَّ الفساد الثقافي، شريك للفساد السياسي والاجتماعي في مجتمعاتنا العربية؟
o يقول البعض إن الناقد كاتب فشل في تحقيق نصه الأدبي فلجأ إلى انتقاد نصوص الآخرين.. ما رأيك؟
سبق أن قدَّمتُ، في إجابتي عن سؤال الصَّديق أدونيس الخطيب، كلاماً لي مفصَّلاً في موضوع “المثقَّف” و”الثَّقافة”؛ فآمل العودة إلى ذلك. أمَّا أن يكون ثمَّة قولٌ بأن “النَّاقد هو كاتب فشل في تحقيق نَصِّه الأدبي”، فما هذا إلاَّ من باب التَّفكير الانفعاليِّ الفاقد لأيِّ منطقٍ تحليليٍّ موضوعيٍّ، ولا أظنُّه إلاَّ من باب ما يعانيه بعض القومِ من مساوئ التَّفكير السَّطحي، ذي البُعد الإنشائي؛ وعلى سبيل المثال، وليس الحصر على الإطلاق، هل يُعقلُ أنْ يقال “إنَّ الطَّبيب هو إنسانٌ فَشِلَ في تأمين صحَّته”؟
15) ضحى عبدالرَّؤوف المل
o يعاني الأدب اليوم من التَّمزُّق في ظلِّ التَّقدُّم العلمي الهائل والسَّريع؛ كيف سَيُمْسِكُ الادبُ بهذه التَّغيُّرات، واهمِّها الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، في العالم؟
الأدب، ابنٌ شرعيٌّ وواقعيٌّ لبيئتهِ؛ ينتقلُ من الانفعالِ بِها،والتَّفاعلِ معها، إلى مساعٍ للتَّأثير بها؛ ومن هنا، فإنَّ جُلَّ ما قد يتطلَّبه الأمر، قد يكون في الوعيِّ الثقافيِّ والمعرفيِّ والجماليِّ، لدى مُرْسِلِ الأدبِ، ليعرف كيفيَّة وضع هذا الأدب، وليصبح أدبه مشروعاً لنصٍّ لا يستقيمُ سوى بمشاركة مُسْتَقبِلِ أو إن شئتِ متلقِّيه؛ وحين يتعاظم وجود هذا المُسْتَقْبِلِ، فإنَّ فاعليَّة النَّصِّ/الأدبِ تتحقَّقُ في ميادين ما ذكرتِ من تغيُّراتٍ في العالم.
16) عصمت حسان
o يوم دعونا لتوحيد كلمة المنتديات الثقافيَّة، كنت حاضرا وداعما ومشاركا وصاحب دعوة؛ برأيك لما لا تنجح هكذا دعوات، وكيف السَّبيل ليكون عملنا الثَّقافي منظَّماً وعلى قياس وطن؟
o أنتَ كتبتَ النَّقد والفِكرَ، هل لامَسْتِ القصيدة يوماً؟
قد يكون في الدَّعوة إلى “توحيد كلمة المنتديَّات الثَّقافيَّة” رؤية خير ومحبَّة ورغبة صادقة في وحدة العمل والهدف وخدمة المصلحة العامَّة؛ وقد يكون في هذه الدَّعوة، كذلك، ما يمكن أن يتعارض مع طبيعة الوجود الثقافي وفضاءات نشاطاته، إذ الثقافة رؤية ورأي، وهنا مجال للتَّمايز الطَّبيعي بين النّضاس، والنَّاس، في الرؤيا الثقافيَّة، لا يمكن، وربما لا يجب، أن يكونوا واحداً؛ وهذه ميزة رائعة للإنسانيَّة النَّاهضة. كلُّ ما في الأمر، ضرورة تنسيق هذه المساعي والرُّؤى، كي لا يغتال واحدها الآخر أو يخنقه، وكي يمكن جمع ما فيها، ضمن اختلافاته وحتَّى تناقضاته، لخدمة رؤيةٍ ثقافيَّةٍ ووطنيَّةٍ مشتركة. أتسائل، ههنا، هل في لبنان توافق واضحٌ وصريحٌ على ما هو رؤية ثقافيَّة ووطنيَّة مشتركة؟!
بدأت حكايتي مع الكتابة أني كنت أنظم الشِّعر، منذ كنتُ في الثالثة عشرة من عمري؛ ولما صرتُ في السابعةِ عشرة من العمر، كنتُ أسعى إلى تحقيق ما لما أراه من الشِّعريٍّ؛ وبعدَ سن الثانية والعشرين، خُيِّلَ لي أن عيشَ الحياةَ، بما فيها من شاعريَّةٍ حقَّةٍ، أكثر عملانيَّةً في تفاعلي معها من وضع القصيدة؛ فكان أن توقفتُ عن كتابة الشِّعر، وانغمستُ في عيشه حتَّى اللحظة.
17) إكمال سيف الدِّين
o قال أحدهم، النَّقد كالدَّواء، مُرَّاً كان أم حُلواً فهو علاج العِلَّة؛ وقيل أيضاً، النَّاقد هو الحارس الأمين على الحياة الأدبيَّة ورعاية قيم الأمة وثوابتها ومبادئها:
كيف ينتقي النَّاقد بعض الأعمال ليتوِّجُها على غيرها؟
وهل مازال النَّاقد الحارس الأمين للأدبِ، في ظاهرة نشهدها أنَّ البعض جعل النَّقد مهنة ترويجٍ ودعايةٍ توهِم القارئ بعظمة أفكار الكاتب وأبعادها؟
“النَّقد”، بداية أحد مجالات تجلِّي الفِكر الإنسانيٍّ، أكان في الأدب أو في سواه؛ وهذا التَّجلِّي يُعنى بأن يكون ضمير ما يختصُّ بهِ من أدب أو علوم طبيعيَّةٍ أو مواقف فقهيَّة أو توجُّهات قانونيَّة، أو ما هو سوى ذلك. وينتقي النَّاقد ما يعمل عليه من عدَّة منطلقات، منها ما هو لتأكيد نظرة له أو تظريَّة، ومنها ما يستجيب لذائقة رؤيويَّة لديه، أو يتجاوب مع مطلب ورد عليه. وإذا ما كان المطلوب من النَّاقد أن يكون “الحارس الأمين للأدب”، فهذا، وكما توسَّعت في هذا، سابقاً، في إجابتي للصَّديق إلياس زغيب، فحبَّذا لو يمكنك العودة إليها.
18) عماد قاروط:
تحياتي د.وجيه فانوس
برأيك هل يغير الشعر في الحضارات ويدفع مثل مجتمعاتنا للنهوض والتقدم
أم ” لا رأي لمن لا يُطاع “
والامر بيد الساسة …
الشِّعرُ، بحدِ ذاتِهِ، تعبيرٌ فنيٌّ جماليٌّ رؤيويٌّ، مَثَلُهُ، في هذا، مَثَلُ اللَّوحة التَّشكيليَّة والمنحوتة والرَّقصة التَّعبيريَّة والبناء الهندسيُّ، وكل ما هو من هذا القبيل. من هنا، فلإنَّ الشِّعر الحق، وهو انبثاقٌ جماليٌّ رؤيويٌّ من معاينةٍ أو معاناةِ لمعيوشيَّة ما للحياة، يكون ابناً لبيئته وللحياة التي يعيشها الشاعر. وهذا الانبثاق، بحكم أوضاع البيئة التي هو منها وظروفها الزَّمانيَّة والمكانيَّة والانسانيَّة، قد يكون تحريضيَّاً، كما قد قد يكون مجرَّد انعكاس لواقع ما أو لطموحٍ ما. بعض أشعار “أحمد فؤاد نجم”، على سبيل المثال، أخذت الطَّابع التَّحريضي التعبيري، لكثير من ناس زنانها ومكانها، بل تجاوزت، في عدَّة مرَّات، فضاءات زمانها ومكانها؛ في حين أن البيت الشِّعري الأكثر شهرةً والأوسع انتشاراً وتناقلاً على شفاه النَّاس، لـ”أبو القاسم الشَّابي” (إذا الشَّعب يوماً أراد الحياة/فلا بدَّ أن يستجيب القدر)، ظلَّ يراوحُ، طيلة عقود، بين وجود تعبيريٍّ جمالي ووجود تحريضيٍّ شديد المحدوديَّة الزَّمانيَّة والمكانيَّة، إلى أن شَمَخَ بتحريضيَّتهِ الثَّوريَّة، على تعبيريَّتهِ الجماليَّةِ الرُّؤيويَّة، بعد زهاء ثلاثة أرباع القرن من نشر شاعره له بين النَّاس. الإجابة الحقَّة، عن قدرات الشِّعر على تغيير الحضارات، لا تكون في النَّصِّ الشِّعريِّ بحدِّ ذاته، بقدر ما تكون في السَّيرورة الثقافيَّة التي يصير إليها الشِّعر، عبر رحلاته الإنسانيَّة التَّعبيريَّة، في أرجاء الزَّمان والمكان.
19) مارون الماحولي:
دكتور وجيه العزيز الف تحية…
ما سر هذا العطاء الدائم؟
هل تستذوق الشعر المحكي اللبناني؟
بماذا تطمح بعد؟
كل محبة؟
بكلِّ واقعيَّة، إنَّ ما أقوم به، وقبل أن يكون، عطاءً أو سوى ذلك، فهو من باب عيشي لوجودي؛ فأنا لم أعمل طيلة حياتي سوى في مجالات البحث الأكاديمي في ميادين الأدب والثَّقافة. وكان أن تسنَّى لي، عبر بلوغي مرحلة التَّقاعد الإداريِّ من عملي في الجامعة، أن أنصرف إلى ما جمَّعته من قبلُ، تدويناً وحفظاً ووعياُ، مِن مواد معرفيَّة، وما شاركتُ فيه من مؤتمرات وندوات، ولم يكن، هذا كلٌّه، بقليل على الإطلاق؛ فصرفتُ ما صار يتيسَّر لي من وقت، على الكتابة في هذه الأمور وسواها.
أفيدَ أنِّي يوم طلبتُ تسجيل رسالتي لنيل شهادة الكفاءة من كليَّة التَّربيَّة في الجامعة اللبنانيَّة، في مو وع الشَّاعر الشَّعبي الانتقادي “عمر الزِّعني”، واجهتُ كثيراً من نظرات بعضهم التي ما اعتادت أن تقيم وزناً للشِّعر بالمحكيَّة في لبنان. ومن هنا، فإنَّ علاقتي بالشِّعر المحكيِّ، علاقة وجدانيَّة، كما هي علاقة معرفيَّة ورسالة أكَّاديميَّة. ولكم كان سروري يو دعيت من قبل “المجلس الأعلى للثقافة والفنون”، في جمهوريَّة مصر العربيَّة، لأقدِّم دراسة مقارنة لي، تجمع بين الشعر الشعبي الانتقادي اللبناني ‘مر الزِّعني، والشَّاعر الشَّعبي الانتقاديِّ في مصر، بيرم التَّونسي. وأشير لك، أيضاً، إلى كتابي الأخير “الشِّعريُّ في نما1ج من ن3وص الأخوين رحباني”.
أطمح إلى ثقافة عربيَّة؛ تنهض على فكر تحليليٍّ منطقيٍّ عقلانيٍّ، بناءً على مقدراتٍ عقليَّةٍ ومعرفيَّةِ، بعيدةِ الأغوارِ، في مجالات التَّفكيك وإعادة التَّركيب، سعياً إلى إبداعِ المعرفةِ ورفاهِ العَيْش.
20) زياد عقيقي :
أستاذنا العالي…يشهد زماننا تحوّلاً خطيراً من عالم الحرف (الكلمة) إلى عالم الرقم…هل ترون أنّ هذا التحوّل سيطيح بالفكر الإنساني والعلوم الإنسانية واللسانية أم ثمّة ما يضمن النبض الإنسانيّ مستقبلاً…؟
أرى أنَّ الحرف والرَّقم، كما الجِلد وسعف النَّخل ومسطَّحات العظم وورق البردي! والورق الذي نعرفه وشاشات المحساب (الكومبيوتر)، ليست جميعها سوى أدوات لخدمة التعبير عن الفكر والإحساس. ومن هنا، فإن أساس الأمر، في واقع الفكر الإنساني، ومستقبله، مرتبطان بالإنسان وما لديه من أمور ليعبِّر عنا، بغضِّ النَّظر عن أدوات التَّعبير المتغيِّرة والمتبدِّلة، بحكم تطوُّر الزمان والمكان والعلوم والمعارف وظروف العيش.
21) يسرا البيطار:
نحيي الدكتور وجيه فانوس واهل الحبر الابيض ونساله:
كيف يرخي الواقع السياسي والاجتماعي بظلاله على الحالة الادبية والثقافية عموما؟
وهل من افق؟
إذا ماكان الأدب إبناً لبيئته، فمن الطَّبيعي أن يرخي الواقعان السِّياسي والاجتماعي بظلِّهما على الحال الأدبيَّة والثقافيَّة، إذ هذا الواقعان من أبرز العناصر الفاعلة في تشكُّل البيئة الإنسانيَّة. ويبقى أنَّ هذه الظِّلال، يمكن أن تكون سلبيَّة، كما يمكن لها أن تكون ظلالاً إيجابيَّة، بمعنى قد تكون قبولاً بها، أو تكون محفِّزاً ساطعاً للثَّورة عليها، أو حتَّى إلى تعديلٍ فيها. الأمر، برمَّتِهِ، مرتبط، بعضويَّةٍ مذهلة، بالأديب والمثقَّف، إن كان واحدهما راضياً بعيش القبول والإذعان، أو كان مصرَّاً على التَّعديل أو الثَّورة.
22) خليل عاصي:
كل التحايا للدكتور فانوس صاحب البسمة الحاضنة والحضور الطاغي.
كيف يمكن تحصين المثقف من الانزلاق إلى التبعية والارتهان؟ وهل واقع لبنان والعالم العربي يملك مقومات ولادة مثقف نوعي متخفف من الولاءات والاغراءات؟، ثم ما هي الآليات والمقدمات التي يجب توفرها ليكون ذلك ؟؟
إن لم يكن للمثقَّف قدرة على حصن نفسه من الانزلاق إلى التَّبعيَّة والارتهان، فلا يمكن لأي تنظيمٍ أو تربيةٍ أو قانون أن يقف في وجه انزلاقه. الحريَّة الواعية والمسؤولة، وتأمين سلامة العيش، مع العقل المفكِّر والمعرفة العميقة والإحساس بالمسؤوليَّة الإنسانيَّة للوجود، من الأمور كفيلة بتقديم مقومات كثيرة لولادة مثقَّف نوعيٍّ “متخفِّف من الولاءات والاغراءات”.