.. تحت عنوان “الخراب ” كتب الشاعر الشيخ نعيم تلحوق زاويته في مجلة ” الحصاد ” وجاء فيها :
في ظل هذا الخراب ، تذهب الحياة في إجازة ، وينتحر المعنى ، لا شيء يليق بحضرة هذا الخراب سوى السراب …
كنا نظنّ أن العالم سيصبح أقل شهوانية وعدوانية وأنانية وخرافة …
كنا نعتقد أن من رحم الأساطير سيخرج مارد الحق ، آدون الجرح ، وأن شقائق النعمان ستزهر فوق روح الأرض لتبقي على شيء من المعنى الذي هو الوجود …
لم نكلّف أنفسنا أن نكون أقل تواضعاً وأكثر نبلاً ، وأوسع شهامة ، أن نمحو عدوانيتنا تجاه أنفسنا والآخرين ، لنتغلّب على الوحش الذي فينا …
فاكتشفنا أننا الوهم …
نحن موهومون أننا حاضرون … لا شيء يعيدنا الى الطريق سوى الحب والانسانية التي هي ليست ترفاً بل حرية خالصة وانتماءًا الى الذاكرة …
الطريق هي الحق ، الطيبة ، البساطة ، المسؤولية ، العزة ، الكرامة الوطنية … ليست وظيفة المال أن يعيد بناء النفوس ، وانما وظيفته أن يمنع الحرب من الحصول …
يكثر المال وتكثر الحروب … يقل المال وتوهن النفوس الضعيفة ، فيستردها الشيطان ، ويعيد انتاج ذاته مرةً جديدة …
زلزال بيروت ، كشف عيب الطمّاعين ، ووحش الفساد الضارب في النفوس والعقول والقلوب ، فأطلّ الوحش علينا بأبشع صوره ، فغلبنا الذهول على ما يخبّئه البشر من حقد بحق الانسانية والوجود البهي …
بيروت خيمة العرب ونجمة العروبة والعالم وقلبه الضائع … فحين نجد هذا الخراب فيها فهذا يعني أننا فقدنا هويتنا الوطنية والقومية والانسانية …
أيها العربان ، أيها العالم …إذا خسرتم بيروت ، خسرتم نبض الحياة فيكم ، نبض التمرد ، نبض الايمان ، ونبض التقوى … فليس أضخم من حجم الكارثة التي حلّت ببيروت ولبنان سوى ما سيدركه العالم متأخراً عمّا فاته من وجع العصور والدهور …
لكنها بيروت ، ستخرج من رمادها كالعنقاء ، لأنها نبض أحلامكم الميتة ، ولآنها قلب العالم إذا انطفأ يخبو الشريان الأبهر ، دون أن يزول ، ستخرج الهالة من القمقم كطائر الفينيق ، وتعيد انتاج ما دمّرته الوحوش ، متوجّهةً للعالم برسالة واحدة : ” بيروت لا تموت إلا واقفةً كالأشجار” …