…زار موقع ” ميزان الزمان ” في بيروت حديقة في الصحراء المغربية وقطف منها باقة من قصائد الشاعر علي الزاهر :
-1-
كقطرة ماء
أسافر عبر الهواء
أبحث عن همسة الوفاء
بين ومض الذكرى و الغياب
كقطرة ماء
انهمر اشتياقا
انحني احتراقا
ثم يرسو جسدي طيفا و شوقا
على تلة من وهج الضباب
كقطرة ماء
تحملني هذي الأنداء
أقطع الأرض طولا وعرضا ،
أرسل النداء
و على ورق الأمنيات ومضا ،
أرسو لحن غناء
كقطرة ماء
لا مكان يأوي أثري
أغوص في الأرض ، لا أترك خبري
ثم يضمني حبر على حبري
أولد ملأ الحرف قصيدة
كقطرة ماء
و أنا أسقط : طق طق
ها لحني يطربني في ألق
يلقي الصوت جوف الليل طق طق
كقطرة ماء
في أثري مطر
في لحني وتر
فأنا سيدة الأنداء
إذا ما غنى بلحني هذا الأفق
_2_
يقول المهندس معربدا :
يا هذا ، لقد نسيت
في التصميم نقطة مهمة
أفتش عن خللي في التصميم :
لا شيء يا سيدي ،
قد اخترت الطريق الصحيحة
و أنا قهرا قد أخطأت سبل الحقيقة
لذلك قد نسيت ، تلك النقطة المهمة
حتى فمي لم أنظفه من قهر المظنة
فمنذ بزوغ الشمس و أنا بلا مظلة
أرقب هذا ، أنصح هذا ، آمر هذا
و أنا يا سيدي ليس لي حبر أو محبرة
أو مقعد قد ينجيني من المقلصة
و على حد الوقت وقفت ، أرجو الميسرة
فعذرا يا سيدي عذرا ، رفعت للحق المظلمة
مذ اخطأت الطريق و ضيعت المنجرة
و مضيت أبحث لي عن موطئ القدم بلا مسطرة
و مذ خرجت فصول الدرس و أنا أخط السيرة
فلا ذنب لي إن نسيت نقطة مهمة
فأنت يا سيدي من أشار و ما اتبعت إلا الإشارة
-3-
على قارعة الحلم
و على قارعة الحلم
ينتصب المعنى
ينتظر فجر قصيدة ثكلى
بما يسعف الحزن من كلمات
الشعراء ، يقفون فرادى
أو جمعات
يلتقطون على حافة الوقت وهج المفردات
ثم ينصرفون من شدة الآلام
فيكتبون على حائط الوهم ، و خز العبرات
يرمون علامات الترقيم
كما تأمرهم لغة شريدة بين شواطئ العبارات
و الغرباء يصطفون ، واحدا ، واحدا
و لا أحد ، يأتيهم بنصب تذكار أو قصيدة
لقمان ذاعت وصاياه بين الأمم
تقول امرأة ، ليس بينها و بين العشق
سوى شبر حلم شارد
في ضباب الحقيقة
قلت : قد انصرف كل الأنبياء
و مات التابعون و مات المعنى
لكن صبيا ، رمى بالحرف إلي
ثم انصرف …
في المتاهة ، أخذت بعض القوافي
و رمت ظل الصمت الممتد
يبابا جوف صحرائي
و رأيت شوارع المدينة
تكتظ بكل ألوان التيه
رميت عصاتي بين جموع البسطاء
فإذا العصا استحالت نشازا
لم أكن رسولا أو هديل حمام
كنت شاردا يفتفي
وقع الحقيقة
على ناصية المعنى
كتبت ما كتبت
و تركت للتاريخ نافذة
بعمق أشجاني
و جمعت بقجة أشعاري
وليت نحو القبيلة
أرشدها لغيم المجاز
كلما اشتدت بهم ريح الأشواق …
-4-
كل النايات تعرفني / تعزفني
أنا المغرم احتراقا بأنين النايات
لي في صحراء الذات
سحر الأسفار
و اخضراري الآتي مني
و لي لغة البوح الممدودة خلف السؤال
سائرا إليك أحمل أسمائي/ أشلائي
أعاند خطوي إذ تكتبني المفردات قصيدا
لي موطن هذي الكلمات و مد هذي المجازات
و لي في الصمت بعض من سِفْر الآيات
-5-
لم أكن أنا
بيني و بين القصيدة
برزغ عشق لا ينتهي
تحملني الكلمات على عواهني
تلبسني من وهج المفردات
عبيرا و لحنا تظللني المعاني
بالمجاز في حضرتها
أنا المسكون بغواية الحرف
المتيم بالكنايات و سحر الاستعارات
أشتعل ، حين توقدني الأشعار جمرا
و على هديل النايات ، أجرني وترا
هي الكلمات ، تأخذني
لسماء الشعر ، تظللني المفردات
تراودني ببهاء أسفارها العبرات
و كلما غرد في صمتها بلبل الغياب
رأتني أحمل عرش الغواية
نحو المشتهى
و هناك ، على مقامات البوح الصوفي
أجتبي من كلماتي يسعف المعنى
خلف بوابة الصمت الأبدية
ترددني الآفاق ، كلما حملت الفراغ
على عاتق غربتي
و انطلقت في ضحاه كل الأمنيات
أساير وهم حلمي البليد
لم أكن أنا الوحيد
على شرفات السؤال
كان الوهم و كنت و كان
ظلي رهين اليباب
ألقيت كل ما في وسعي من صراخ
لم تردده الآفاق ، كان وحيدا
و كنت أنا الغريق
أيتها الأنداء ،
يا فيح الشوق عند المغيب
مد إلي يدا مفعمة بالضباب
حتى أرى حجب انتظاري
كما يراه الشعراء