هوية دلالة الألفاظ من الناحية اللغوية:
من المنطلق يتعين علينا التفكير، في نوع من الدور والتسلسل في ضبط هوية الدلالة في اللغة ودورها التواصلي بين الأفراد ذلك أن النظرة الأولية لمسألة دلالة اللغة تحمل كل واحد منا على أن يقر لكل لفظة من ألفاظ اللغة بمعنى أو بدلالة لكن النظر الفاحص يفضي إلى نقض هذا التسليم الأولي على اساس ان الألفاظ في حقيقة الأمر لا وجود لها في الحياة.
فاللفظة معزولة ولا توجد إلا في القواميس إذ لا يتسنى أبدا العثور على كلمة منفردة تحيا في سياق اللغة أو بعبارة أخرى الألفاظ المعزولة كائنات ميتة مادامت معزولة لا تستعمل ولكن تكتسب الحياة ساعة استعمالها وحتى إذا صادف أن فاه أحد المتحدثين بكلمة معزولة فإنما هي كلمة قائمة مقام عبارة مستوفاة داخل سياق معين.
إذا فالمناخ الحيوي الطبيعي لوجود الكلمة إنما هو الحد الأدنى من الكلام الذي تستقر فيه تلك الكلمة في توازن مع جملة من العلاقات والروابط.
وهذا الاستقرار يتسنى بفضل الارتباط التركيبي لسائر الأجزاء المحيطة بها.
أما هذا الحد الأدنى فإنما هو الجملة التي تغدو بمثابة الخلية الحيوية في الجسم الحي باعتبارها الإطار الطبيعي لحمل المعنى.
والمقصود بالدور والتسلسل هو أن الإنسان العارف للغة ينطلق في تحديده لمعاني الكلمات من الجمل ثم تستقل الكلمات بمعانيها في ذهنه ليعيد بعد ذلك تركيب الجمل في ضوء المعاني التي استقرت للكلمات في مخزونه الذهني وهنا تكون قضية دورانية فنحسم الأمر باعتبار أن الجملة هي الأصل ومعنى الكلمة هو الفرع.
هذا هو المعنى الأول وهو توقف معنى الكلمة على سياقها من الجملة فكثيرا ما يتعذر تدقيق معنى ألفاظ اللغة الا بادراجها ضمن جمل تمثيلية أو نموذجية وهو بعد أول من أبعاد علم الدلالة إذ يعنى بالعلاقة القائمة بين الكلمة والجملة
على أن الجملة كثيرا ما يظل إدراكها رهين تنزيلها في مقام تلفظها أي سياق استعمالها ونعني بذلك المقام فكما أن تحديد دلالة الكلمة رهين ربطها بنسيج التركيب الذي جاءت فيه فكذلك الجملة رهينة إدراجها في سياق الاستعمال الذي قيلت فيه:
الكلمة= اللفظة =الدال
الجملة = سياق التركيب
المقام =سياق الحوار أو سياق الحال
.. إذا علم الدلالة في بعده الواسع يخرق المجالات الثلاث ذهابا وإيابا.
(يتبع )…
(سنقدم في الجزء المقبل أمثلة تدعم هذا الترابط بين الكلمة والجملة والمقام)