# الجزء السابع من علم الدلالة :
إشكال المعنى في اللغة
نواصل التأكيد في مقالنا كما بينا انفا على أن اللغة تسمي الأشياء بألفاظ الإدراك الكلي او المتصورات
الجامعة أو عن طريق الأشخاص عبر معاينة الظواهر..
واللغة بهذا المفهوم لا يمكن ان تعد مجرد مجموعة من الأفراد أو ما تتضمنه من مخزون الكلمات بل هي كذلك اداة يستعين بها الإنسان ليرى من خلالها الحياة وليقسم تجارب الكون من حوله بحسب مدلولات اللغة التي يتكلمها أو بعبارة أخرى فاللغة هي مشاركة أفراد المجموعة البشرية في تصور الكون من خلال تصنيفات معينة , وهكذا تتحول ألفاظ اللغة إلى ما يشبه العدسات المجهرية التي تحدث بين بصر الإنسان للأشياء ميلا معينا بقدر ما , وادراك الإنسان للغة بمعنى ارتداء مجهر متكون من عديد العدسات , بحيث لا يرى الإنسان العالم إلا من خلال الأشعة المنعكسة على تلك العدسات المجهرية ..
لكن جملة عدسات لغة ما , ليست بالضبط هي جملة عدسات لغة أخرى , ولذلك تعذر أن تتطابق رؤية المتكلمين بلغتين مختلفتين للكون والوجود وهذا ينطبق في أبسط أشكالها ..
فكل مجموعة بشرية تنطق بلغة معينة إنما تعمد إلى تحليل العالم الخارجي تحليلا فريدا يختلف عن تحليل الأمم الأخرى المتكلمة بألسنة مغايرة , وعلى ذلك فالشعب الذي يرث ما يخلفه الأقدمون من تجارب في الحياة , يترك بدوره للأجيال اللاحقة بعده , نمطا معينا من إدراك تجارب الحياة وهذا يتصل بنوع تحليل الواقع وبنوع تصنيف الوجود ..
وتغدو اللغة بهذا شكلا نرى من خلاله الأشياء بحيث تنزاح حقولها ومظاهرها بحسب اختراق اشعتها لتلك العدسة الكثيفة..
اللغة منظومة تصنيفية
و يمكننا إذا أن نعتبر أن كل لغة هي منظومة تصنيفية بالمعنى الفلسفي Le Système Taxinomique ولا تتضح قيمتها الوظيفية إلا من خلال الدلالات المتجمعة في ذهن متكلم اللغة.
ولعل خير دليل على نسبية تعبير، اللغة عن الوجود من خلال الكلمات هو ثراء اللغات في رصيدها اللفظي بحسب البيئة الطبيعية التي يتحدث فيها أهل تلك اللغة..
فدلالة الألفاظ ليست عملية قياسية فيزيائية بل هي الخريطة التاريخية لتجربة أمة من الأمم..
واللغة في نهاية الأمر كالجهاز الذي ينتقي من الواقع ما يراه صالحا لتشكل من ذلك الواقع صورة متكاملة مترابطة مكتفية بذاتها..
على ان كل لغة تبني الواقع حسب طريقتها الخاصة وبالتالي فهي تضع عناصر الواقع بكيفية لن تجدها متطابقة مع ما تصنعه لغة أخرى ..
وكل ذلك يؤكد لنا مرة أخرى تعَقّد عملية الدلالة وصعوبة تناولها بمقياس علمي صارم , وهذا ما يبوئ الرؤية الفلسفية منزلة هامة في طرق إشكال المعنى في اللغة..
# (الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي/ تونس )