تجربتي مع كورونا:
لم أنتبه لبرودة المياه قبل أن ادخل للإستحمام، غالبا ما تحصل معي بسبب عدم صبري واستعجالي الدائم.. بعد ساعات من إحساسي بلسعات الماء، بدأت تجتاج جسدي نوباتٌ من البرد والارتعاشات ووجع في العظام.. اعتقدت انه من البديهي أن أربط ذلك ببرودة المياه واحتراق صبري ووجوب معالجة الأمر بمفردي..
فغالباً ما ابتعد من تناول الأدوية واللجوء إلى وصفات أمي وجدتي التي أحتفظ بها في عمق اللاوعي وأعود إليها كلْما احتاج الأمر إلى ذلك، فقمت بارتداء الكثير من الثياب وتغطّيت بالعديد من الأغطية حتى تعرّقت ودخلت في نوم عميق..
في الصباح الباكر استيقظت بنشاط ممّا جعلني أعتقد أنني انتصرت على نزلة البرد المفاجأة، فهنّأت نفسي على حسن التصرف والوعي..
مرَّ يومان، كنت أشعر فيهما بأن شيئا ما غريبا يصيب جسدي ولكن لم يكن ذا أهمية كبيرة فلم أكترث له..
يوم السبت وبعد مرور عدة ايام، ايقظني وجعٌ شديد في راسي فحاولت النهوض مسرعة لأقوم بطقوسي الصباحية قبل أن يتفاقم الشعور لكنَّ كلَّ الأشياء من حولي بدأت تلفّ وتدور حتى تهيّأ لي أن كل شيئ سيسقط أرضاً..
وجعٌ في عينيّ يكاد يلتهمها ويشدُّ على زوايا نظراتي ، فركضت إلى مرآتي لعلّني أبصر سببا لما يحصل لي لكن لا شيء أراه سوى احتمال إصابتي بالكورونا..قررت فورا إلغاء حلقتي الإذاعية والإتصال بمركز طبي لإجراء ال pcr فأرسلوا إليَّ ممرضة وأجرته لي مباشرة..
مرّ يومي صامتا مُتعباً باردا كالمرض، أنظر إلى عقارب الوقت مترقّبة هاتفي لعلّه ينبؤني بنتيجة تهدّئ من توتري.. اتصلت مرارا وتكرارا وكانت الإجابة:
“اليوم في عجقة كتير كل الناس عملت فحص كرمال هيك اتأخرنا عليكِ.. شوي ومنخبرك النتيجة”..
بعد مضي ساعة، هاتفتني الممرضة وبعد مقدّمة طويلة من الدعم النفسي والمعنوي، صرّحت بأن النتيجة إيجابية وأنَّ الفيروس اقتحم جسدي منذ خمسة أيام، طالبة مني التواصل مع الطبيب والمتابعة معه..
شريطٌ طويل من الأحداث مرّ في ذاكرتي.. منذ خمسة أيام قابلت واختلطت بالكثير من الأصدقاء.. يا إلهي سأطلب منهم جميعا إجراء الفحص..
خلدت إلى عزلتي بعد أن تواصلت مع الجميع وبدأت بالإنصات إلى الأوجاع التي تناوبت على الإنتقال بين حواسي وأطرافي والتربيت على وحدتي.. قبضَ التعبُ على أجفاني فدخلت بما يشبه النوم في اليقظة.. نوباتٌ من البرد تجتاح أضلعي.. كوابيس وهلوسات وتعب يحضنني بقوّة وكأنّه يلف أذرعه حول خاصرتي المرتجفة محاولاً بث الدفء في مساحات العتمة والصقيع..
لم أشعر ببزوغ الضوء ولكن أعلمني به صوتُ أمي المرتجف على الهاتف وبكاؤها بعد أن أيقظ الوقت في فراشي..
“لا داعي للبكاء يا أمي أنا بحالة جيدة”.. قلت لها ذلك وصوتي يكذّبني..
أجابتني بخوف:
“كيف بدك ما إبكي وجارنا نزلوه بنص ليل عالمستشفى كان راح فيها.. أكيدة انتِ منيحة؟
-مامااا.. أنا منيحة خلص..
حاولت إنهاء المكالمة قبل أن يفضحني تعبي وحاولت النهوض من الفراش متجّهة نحو المطبخ.. فشعرت بظل دقّ على الباب ومن ثم هرب مسرعا..
فتحت الباب فوجدت كيسا من الأدوية وبعض الطعام..
أدركت حينها أنها كانت شهنا البنغلادشية..
تناولت الفطور والفيتامينات التي أرسلوها إليّ ومن ثمَّ عدتُ إلى فراشي منتظرة نتائج فحوصات أصدقائي..
الحمدلله.. أخبرني الجميع أنها سلبية وأنني لم أنقل الفيروس لأحد.. حاولت أن ألجأ إلى القراءة لكن ثقلاً ما كبّل نظراتي وتفكيري فلم اقوَ على التركيز أبدا..
عُدت إلى أوجاعي.. حاولت النوم لكن عارضا جديدا مارس سطوته على صدري.. ضيق في التنفس وانقباضات تلعثم رئتي..
“لا بأس.. عارض وسيزول..”. قلت في نفسي..
ومن ثم بصوت عالٍ:
يمكنني التحدث مع نفسي بصوت عالٍ فلا أحد يسمعني..
حسناً كورونا.. سندخل في التحدي معاً.. أنا جاهزة..
ليلتان كنت فيهما أصارع الألم، والوقت يمرُّ ثقيلا جدا..
هرّتي تصرخ في الخارج.. فلم أجد طريقة أخبرها بها أنني مصابة بكورونا وأنني أخاف من ان أنقل لها الفيروس على الرغم من أنه لم يتم إثبات إمكانية ذلك علميا..
“أنا بحالة جيدة”
جملة كنت ارددها كثيرا واهمس بها لعزلتي.
إلى أن وجدتني اقرأ واكتب بنهم.. وعلى الرغم من فقدان حاسة الذوق والشم إلا أنني ما زلت أشعر بلذّة القراءة والكتابة .. وما زلت أبحث عن وسيلة أخبر بها هرّتي بكل ما حصل معي…
# ناريمان علوش ( كاتبة وشاعرة وإعلامية وصاحبة دار نريمان للنشر ومؤسسة صالون نريمان الأدبي )