# علاقة مفهوم الانزياح بين الدال والمدلول:
ليست اللغة مجموعة من الألفاظ فحسب ، وقد قادنا هذا إلى بيان كيف أن اللغة التي تتركب من جملة ما تتركب منه من جرد الكلمات أو قاموس ، الكلمات المكونة للغة لا تغطي كل المدلولات التي يحتاج إليها متكلم اللغة فنحسّ بعدم تطابق الكلمات مع المعاني كلما حاولنا الترجمة , ولذلك فالترجمة من اشق الأشياء في علم الدلالة ..
وهناك اختيار يقنع بالانزياح Décalage الموجود بين اللفظ ومدلوله وذلك عند تضاعف عملية الترجمة أي عندما تتراكب نصوص مترجمة Phénomène de Superposition.
فالنص الموضوع أصلا ليس هو في حقيقة أمره إلا محاولة لتصوير الواقع , فوصف حادث مثلا لا يكون إلا مقاربة للواقع والدليل هو ان شخصين لا يقدمان نفس الوصف للحادث نفسه , بسبب عدم الالتصاق بالواقع.
فإذا ترجم هذا النص الأصلي إلى لغة أخرى بانت الفوارق الجزئية ، بين التصوير الأول للواقع والتصوير الثاني ..
وتزداد العملية تعقدا وتزداد اللغة ابتعادا عن دلالتها المقصودة عندما نفترض ان أحدا يعمد إلى ترجمة نص هو في أصله مترجم عن نص اصلي فتكون الترجمة حينذاك من درجة ثانية , وهذا دليل على أن الدلالة ليست إلا محاولة اقتراب عن طريق الكلمات ، ويمكن ان نحدث تجربة أخرى وهي ، ان نأخذ نصا ترجم عن لغة أخرى وان ننطلق منه. لترجمته إلى لغته الأصلية..
هذه النسبية في تطابق الدال بالمدلول هي التي تؤكد مشروعية مصاحبة الحيرة الفلسفية للقضية الدلالية في اللغة ذلك أن اغلب الناس قد اطمأنوا إلى وجود مطابقة تامة بين الكلمة والمعنى أو بين الألفاظ ودلالاتها , اعتمادا منهم على ما توحي به التجربة الشخصية يوميا لأن الإنسان يتعامل مع الظواهر من خلال اللغة دون ان يدرك صعوبة بارزة في ذلك.. بينما نقر بأن الكلمات قلما تنطبق مع مدلولاتها تمام الانطباق وهذا يعود إلى طبيعة المعرفة البشرية او العقل البشري وتعقد مسألة الإدراك لدى الإنسان..
إلا ان هذه الاعتبارات الفلسفية لا تحول دون تفاهم الناس فيما بينهم بواسطة اللغة لأن التعامل في اللغة هو الذي يؤسس الحياة الجماعية والحياة الجماعية هي التي تنسي الفرد نسبية دلالة الألفاظ على الأشياء..
ولئن كان الفلاسفة يفرقون بين ما يسمونه بالعالم الموضوعي ويقصدون به العالم الخارجي والعالم الذاتي، ويعتبرون أن الأول وهو العالم الخارجي هو العالم الحقيقي لأن العالم الذاتي قائم على إدراك الحواس وتجربة الإدراك الحسي ..
والحواس قاصرة بطبيعتها لأنها توقع في الخطأ ومع ذلك فهذا لا يمنع الناس من الاعتقاد بأن الحقيقة التي لا شك فيها هي الحقيقة الذاتية والتي يدركها الإنسان من الداخل والذي، يجر الناس إلى ذلك هو أن الأشياء تبدو لهم في ما يعتقدون ذات شكل واحد من خلال اللغة , فتبدو الأشياء موحدة الشكل والسبب هو ان اللغة تسمي الأشياء بألفاظ عن طريق الإدراك الكلي ، أو المتصورات الجامعة أو عن طريق معاينة الأشخاص للاشياء والظواهر في الواقع..
(يتبع)
# (الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي/ تونس )