راغدة قربان: قصيدة تنتظر الشروق:
بين الفرح الممكن والوجع المتبقي.
هي دكتورة في اللغة العربية وآدابها، باحثة أكاديمية وايضا هي شاعرة تغرف من احساسها المرهف قصائد حبّ وجمال. هي الدكتورة راغدة قربان التي أخذتها إنشغالاتها الكثيرة عن الحؤول دون إصدار أول ديوان شعري لها. إنمّا تعدّ نفسها وقراءها عن تلبية نداء الشعر فور الانتهاء من الاوضاع الصحية والاقتصادية الحادّة التي تعصف بلبنان.
هي التي تأثرت بالطبيعة أولا، بالفرح المتدّلى من الوجع، بالزمن الحالم بشهقة القلم، باللمعة الشعرية عند استاذها، انما أيضا بنظرتها وهي تقلب صفحات حياتها، بالغربة الحاضرة دوما في ثقوب الغد كما تقول.
للغوص أكثر في ذاكرتها الشعرية، وآرائها الوجودية، كان لنا هذا الحديث مع الدكتورة قربان:
هل تعرِّفين القرَّاء عنك باختصار، ومتى بدأتِ كتابة الشِّعر ؟
وهل يا ترى تأثَّرتِ إلى حدٍّ ما بشِعر الياس لحُّود أستاذك المفضَّل؟ وبالتالي، بمَن تستلهمين لكتابة الشِّعر ؟
قالت د. راغدة قربان: أكتب الألم والفرح في لحظات الإلهام واسترجاع الزمن أحلُمه في قلبي بشهقة القَلَم. دكتوراه في اللغة العربيَّة وآدابها، خرِّيجة الجامعة اللبنانيَّة، وباحثة في المجال الاكاديمي. بالنسبة للشعر، فانّ كتابته تحتلُّ عندي عشقًا مسكونًا بقصائد مكتومة، بعضُها نُشِرَ، وبعضها الآخَر غير منشور.
تأثرت بالشاعر الياس لحُّود خصوصًا في نظرته إلى الأشياء المحيطة بنا. أضف إلى ذلك، اللَّمعة الشِّعرية التي ولَّدَها داخل قصائده ليخلق عالـمه الخاص: الـتأثُّر والتأثير يجعلني أتوق إلى التعبير في مشاركة زمانه ومكانه، كما لا يمكن أنْ أفسِّرَه، بل أُعايشه، أراه دائمًا يستدعي الطفولة بحزن وقهر، الحب الأوَّل لعبة العودة كإحساس لارتباط المكان بالذَّاكرة والحُلُم. في شعره للوطن، نجد ألمه مرتبط بوجع الوطن، يكتب الجروح والنُّدوب التي تترك أثرًا في الإنسان، مندفعًا بجموح الرغبة والعشق إلى التجدُّد؛ لأنَّ الألم لا يقبل الأمَل:
“كلَّا قلبتُ عمري صفحةً
صفحةً قلَّبتْ روحي في جموحي”.
نعم تأثَّرت به في صورة الشاعر الطائر الفينيقيّ، الذي يحلِّق ويحمل ماضيًا ينهض، إقامة جسر بين الذات والحلُم العربيّ للنهوض والاستنهاض.
وتابعت الشاعرة د. قربان حديثها فقالت :
أمّا عن تأثري بالطبيعة، فالقرية موطننا الاول، روحيَّة الحبّ العفويّ، أنامل الكلمة التي تُولّد من خميرة الأرض والزَّرع، النَّظر في الشروق، كما الوادع في الغروب، غصن هوى في ساقية أحبَّتْه في حالتِها الحالمة واليقِظة، غادر حضنها في حالتها المعرفيَّة الوجوديَّ، هذه الثنائيَّة ولَّدت مشاعرُ لا تهدأ بجناحَين في ذاتي، معرفة الذات في هذا الوجود كما يقول سقراط: “إعرف نفسك”. ويقظة الطبيعة الحالمة التي تتجلَّى في يقظتي، يقول النَّبي العربي: “النَّاس نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا”.
الطبيعة الدافئة في قريتي “عين السّنديانة” بين الفرح الممكن والوجع المتبقِّي، صوت النَّهر قرب سنديانة معمِّرة، وصمت ذاكرة طفولتي، كلُّها تداخلت في عشقي للكتابة، وبدأت رحلة الشِّعر تنمو في غياب الـحُـبّ الممنوع، لأنَّ غيابه، توهَّكتُه في خيالي باحثة عن حرمانه.
– تكتبين للحبّ للوطن للطبيعة ؟
إنَّما ما يلفتُ القارئ أنَّ هناك حزنًا عميقًا في حرفِك عندما تكتبين عن الغربة بمعناها الواسع، هل سبق لك أنْ عشتِ تجربة في هذا المجال ؟
زمن المفقود وقلق الذات يكشف عن ذكريات مشحونة بغربة دائرية مقفلة، صورة الدائرة، الصامدة تنتهي بعبور نورانيّ منشود، لتبدأ بنقطة الحبّ التي تظهر في عشقها الاغترابيّ خارج هذا الزمن الممتدّ.
الغربة بمكانها الخالي إلا من الحزن، الأريكة البكماء إلا من الرغبة بالبكاء، غربة الذكريات لا تُلغي رذاذ الحبيب، حاضرة دومًا في ثقوب الغد، الحبّ بالنسبة إليّ وطن بيادره أحلامٌ وأمنيات، تتعالق بتجليات العشق، الذي يجسِّد الشَّوق. تجربتي هي الخوف من فقدان غربة الحبيب أو الوطن، وجه الرحيل المتجسِّد بالانتظار، حتَّى اكتمال القصيدة.
من الملاحظ بأنَّ صناعة الأسماء من مهمة الاعلام، لا سيما في ظلّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في هذا المجال؟ برأيك، ها هذا يساهم في صناعة المبدعين أيضًا ؟ وبالتالي أين تكمن نظرة الإبداع؟
# أجابت الدكتورة قربان : الإعلام يبرز في صناعة الأسماء، وحوار الشخصيَّات والتواصل الاجتماعي عبر وسائل التواصل، ولكنَّه لا يمكن أنْ يساهم في صناعة المبدعين. المبدع هو إنسان يعمل على مواجهة الواقع الاجتماعيّ، خلف منجزات حضاريَّة، تتجسَّد فيها قيمة الحرية والفرديَّة. رأينا عند اليونانيين القدماء في الحقبة التاريخيَّة قد “بلغَتْ المنجزات الحضاريَّة التي أبدعَها الإغريق ذروتها” على حدّ تعبير يحيا البشتاوي في كتابه “المسرح والقضايا المعاصرة. وكان السّفسطائيون في دورهم يستفسرون عن أهميَّة الإنسان تكمن في وجوده، لذا اهتمُّوا بمعرفة الحضارة وأبدعوا من خلال الشِّعر، الفنّ، الأخلاق والسياسة.
– هل تخبرين القارئ عن تجربتك الشَّخصيَّة في هذا المجال لو سمحتِ ؟
الابداع يقوم على أسس حديثة لنتاج الفرد في التحوُّلات الفكرية، والفنيَّة والابتعاد عن التقليد والتحرر من شتَّى الأساليب المألوفة. المسرح بالنسبة إليّ هو الإبداع في ذاته، لأنَّه مادة مهمة للتعبير عن هموم الإنسان اليوميَّة، فيها الشَّخصيات والحكايات والأحداث والصراعات التي تُستمَدّ من زماننا على خشبة المسرح، ويتفاعل الجمهور مع العمل المسرحيّ كأنَّه هو الشخصية. الشِّعرُ إبداعٌ بكل حرف أكتبه، أُشبِكُ الخيال، والمشاعر الجيَّاشة، إلى عالَم غريب قد لا يكون، بل مُتصوَّر. الهروب من زمن اللامعقول إلى زمن غير موجود، إلا في مغامرة العاشقَين وذلك لتحطيم قيود الواقع.
إبتداع شخصيَّة لا دور لها في حياتي، هو صراع بين الماضي وأزليَّة الحاضر، الذي يتأبَّطُ ذراع المستقبِل.
– نظرًا إلى اختصاصك الأكاديميّ، طبعًا تطالعين قراءات متخصِّصة كثيرة. إنَّما كم من الوقت تُخصِّصين لقراءة تجارب الآخرين الشِّعريَّة أو الروائيَّة، وما هو كتابُك المفضَّل؟
عندما يقتلني الملل أسافر لتتَّسعَ رؤيتي إلى حيِّز الوجود، وأرتِّب الوقت في انخطافٍ احتفاليّ مع عزلتي. أمّا كتابي المفضَّل فهو الذي لم أقرأه بَعد.
– ما هو مشروعُك المستقبليّ ؟ وما ينقصُه للتحقيق؟
كلّ عملٍ يُخصِبُه الإبداع ويثقِّفه التّجدد، وتُثبتُه هُويَّتي. وما ينقصُه للتحقيق هو الوقت.
– هل من كلمة أخيرة ؟
الحبّ يلوِّن الذات ويملأ الإناء بجراح الورد، لنحملَ السَّلام والسَّكينة ونتعالى عن الأحقاد والشُّرور.