مقالة وجدانيّة
بقلم الكاتبة عايدة قزحيا :
كلمة واحدة في جملة لفتَتْني،حرّكت مشاعري، حملتني إلى قلب الحدث، بل إلى قلب قائلها، إلى أحاسيس كاتبها، إلى وجعه ومعاناته الّتي تمثّل معاناة شعبٍ كامل.
كلمة واحدة اختصرت معاجم اللغة كلّها، واختزلت خُطب السّياسيّين وعلماء التّربية والاقتصاد، وقطعت الطّريق أمام دراسات وتحليلات وشروحات علم النّفس الإجتماعيّ والتّربويّ.
كلمة واحدة صوّرت التاريخ الغابر والحاضر والمستقبل.
كلمة واحدة أوجعتني فأبكتني، وجعلتني أحمل منديلًا ازدوجت لديَّ استعمالاته، فَرُحتُ حينًا ألوّح به، وحينًا آخر أمسح به دموع الوداع.
عبارة قصيرة جدًّا قرأتها فوق صورة فايسبوكيّة كتبها أحدهم تتألف فقط من بضع كلمات، ولم يكتب سواها، تملك من التّعبير، ما يجعلها تتضمّن أوسع المجلّدات والمعلقات وتختصر الزّمن بدءًا من العصور الجاهليّة وانتهاء بالعصور الحالية.
لست أدري كيف
حملتني وعن أرض الواقع رفعتني، وإلى مقاعد الدراسة أعادتني.
“أنا في طريق العودة إلى پاريس”
ها هي العبارة الّتي أثارت حنيني وأشجاني وأقلقت سكينتي ووجداني، ولفّتني بعباءة الدّهشة، وأعادت إليَّ ذكرياتي حيث كنتُ بارعةً ومبدعةً ومؤثّرة في كتابة الإنشاء ولا سيّما في محور الرّسائل المرسَلَة إلى المهاجرين، عندما كانت معلمتي تطلب منّا كتابة رسالة إلى الأب أو الأخ أو الصديق المهاجر نحثّه فيها على العودة إلى الوطن، فكنتُ خير مَن يُزيّن له حسنات العودة وجمالها وأرسم له صورة لبنان بأجمل الألوان، وأجعله يشتاق إلى كلّ ذرّة من ترابه…
ولو قرأها المهاجرون آنذاك لما بقي واحد منهم بعيدًا عن وطنه.
ولكن المؤسف في الأمر أنْ تصبح كلمة “العودة” رجوعًا إلى المهجر لا عودة إلى الوطن الأمّ ، وكأنّها عودة الطّفل إلى مربّيّته الّتي شعر بحنانها وعطفها ودفء حضنها الذي لم يجده عند أمّه التي ولدته من لحمها ودمها.
فلو قال: أنا في طريق السّفر إلى پاريس لكان الأمر عاديًّا، يحمل فقط لوعة الهجرة وحسرة الأهل ولكن كلمة “العودة” ما أشدّ وقعها على النّفس لأنّها تعني الّلاعودة إلى الوطن، تعني فقدان الهُويّة، تعني الاعتراف بشرف أمومة المربيّة!
فما أقساها حياةً، نعيشها بحّارة بلا استقرار!
أتُراها عولمة تكنولوجيّة أم عولمة شعوريّة؟
وما حاجتنا بعدُ إلى الهويّة؟
# ع .ق.