“ليس أوان النوم”
فارغةٌ حَدَّ العطشِ جِرارُ الوقتْ…
ونائيةٌ حَدَّ الذوبانِ مواعيدُنا…
ولا غمامَ تنتظرُه حُمرةُ التفاحِ في وجَنَاتِ الجبالِ، وتشتاقُ لزَخَّاتِه في المساءِ سطوحُ البيوتْ…
نامَتِ الأجِنَّةُ في بطونِ الأمهاتْ… ونعسَ الضوءُ في جَفْنِ الظهيرةْ… والطيورُ التي اعتادتْ الهجرةَ إلى مواطنِ الدفءِ ، مَزَّقتْ جوازاتِ سفرِها ونَتَفَتْ ريشَ أجنحتِها ونسيَتِ الطيرانَ وعِشْقَ الحريةْ…
فمَنْ يوقظُ في وِدْيانِ الروحِ عويلَ الريحْ…؟
-2-
مسافرون نحن في سفينةِ الأحزان
نائِمُوَن كالنعَاجِ في مَزارِعٍ
يُقالُ أَنَّهَا أَوْطَانْ
عُنوانُنا خُرَافة مَكتوبةٌ في صفحةِ الهواءْ
عكازُنا خَيْطٌ طويلٌ من الدخانْ
وحلمُنا وَسْنانْ
مسافرون نحن
ضيَّعوا صباحَهم في زحمةِ الظلامْ
وضيَّعوا سيوفَهم في غابة من الشعاب والكثبانْ
وضيَّعوا انتماءَهم
وضيعوا الأمانْ
-3-
الكتابةُ هي صدى ما يضجُّ في أعماقِنا من حممِ وأنين،
أو ما يضحكُ في جنائِنِ أرواحِنا مِن جُلَّنار…
نحن لا نستطيعُ أنْ لا نصرخَ إذا ما توجَّعْنا،
أو أنْ تتزيَّنَ أساريرُ وجهِنا بابتسامةٍ إذا ما انتصرْنا…
الكتابةُ هي نحن في عروقِ الزمان…
كلماتٌ مِن وُقْدِ الروحِ جمرُها
ومِن قمحِ الحقولِ وياسمينِ الحدائقِ قلائدُها…
نعيشُ بها…
وبها نَخْلدُ
نجومًا وقناديلَ وأقمارا…
-4-
..لكي لا نضيع
كثيراً ما تُسائلُني تلالُ الجنوبِ… خوابي الحنين
وتستفسرُني أشجارُ الزيتونِ … دفترُ الذكرياتِ وحكايا التاريخ ،
عن سِرِّ هذه الأسرابِ من القلق ، التي تتراءى بعضُ غماماتِها الرماديةِ في سمائِنا المرصَّعةِ بالشهداءِ والنجومِ ، المُخْضَرَّة بهِممِ الرِّجَال…
تسائلُني بِعَتَبٍ وحيْرة ،
فأسْتَلَّ مما لم ينضُبْ بعْدُ من قناديلِ الروح مِزقةً من حلمٍ بقيَ عصيَّاً على العاصفة ، وأغْرُفُ من باقياتِ المنى حُزْمةَ تفاؤلٍ وأملِ ،
ألَوِّحُ بها على مفارقِ الدروب التي تُرْشِدُ إلى موانئ المستقبل
وأستغيثُ بآخرِ الحروفِ التي تضيئُ في وَحْشَةِ الرُّوح ،أزرعُها قوسَ قزحٍ ، وقنطرةَ وَقْتٍ
عساني أطْردُ تلك الأسرابَ التي تُقْلِقُ تلالَ الجنوب ووديانَه وزيتونَه العظيم ….
فهل تُراني أغالي، أم أحابي، أم أُرَمِّمُ الواقعَ بِوَهْمِ السَّرابْ ؟!.
# الكاتب والأديب نصر الظاهر / صور / لبنان