فنتازيا العنوان الروائي
بقلم : الكاتبة اشواق النعيمي:
أول ما يصافح عين القارئ في رواية ما عنوانها بوصفه بوابة النص الأولى ، والضوء الوامض الذي ينبه المتلقي ويحثه لقراءة ما استتر خلف الغلاف ، والمدخل السيميائي الذي يتوقع أن يكون ذا بنية تبادلية متوازية مع المضمون قبل أن يُخيب ظن القارئ بمتن لا يرتقي إلى مستوى الإدهاش والأسئلة التي أثارها العنوان .
عنونة النص جزء من سوسيولوجية الأدب التي تتعلق بعملية تسويق واستهلاك المنجز وهي ظاهرة تستحق الدراسة كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالارتفاع الكمي والنوعي للكتاب ، والعلاقة طردية بين الإنتاج وتطور وتنوع وسائل الارتقاء بالمنجز على مستوى المتن الأساسي ، والعتبات الموازية مثل العنوان والغلاف والتقديم والترقيم والهوامش وغيرها التي تتضافر مع بعضها لترتقي بالنص وتضيف إليه .
ينهض العنوان بعدد من الوظائف أهمها الوظيفة الاشهارية والتأثيرية والإيحائية والدلالية ومن هذا المنطلق نال عناية المؤلف حد التهويل على حساب النص لتصبح العناوين أكبر من متونها .

# رواية ” أصناموفيا “:
قد يثير اسم ” أصناموفوبيا ” لرواية راسم الحديثي بوصفه المدخل الذي يحدد هوية النص فضول القارئ للتعرف على ما وراء ذلك المدخل المثير من عوالم وخفايا وشخوص وأحداث درامية ترتبط بالتركيب الرهابي للعنوان . تناولت الرواية واقع العراق بعد 2003 والعنف الطائفي الذي حدث بُعيد الاحتلال الأمريكي وتحديدا الفترة المحددة بين عام 2003 و2007 . والدور الذي لعبه رجل الدين في إذكاء نار العنف وما رافقه من تداعيات اجتماعية وديموغرافية سُردت من وجهة نظر محايدة بصوت الراوي العليم دون أن يغفل وجهة نظر الأطراف المتصارعة .
تقدم الرواية في الخاتمة أجوبة مقترحة لبعض الأسئلة التي أثارها النص ويكشف للقارئ عما أختزله العنوان من شفرات سردية وسؤال راوده قبل القراءة ، من هم ” الأصنام المخيفة ” ؟
# رواية ” لعنة ماركيز “:
والعنوان في رواية ضياء جبيلي ” لعنة ماركيز ” معادل موضوعي لمصادرة حق العراقي في وطنه ، حتى حقه في تدوين الألم والمعاناة استُلبت منه عنوة بواسطة ماركيز الذي أثرى من الكتابة عن مآسي الشرق وشواهد قبورهم ، وقوى لا يمكن مجابهتها كونها تتحرك وتنفذ ما تريد لكنها غير مرئية ولا معلومة ، مستخدما الواقعية السحرية في طلاء سرده لمجانبة الأسلوب المباشر للخطاب الروائي الذي استدعى كل مرارات الواقع العراقي قبل وبعد عام 2003 .
ماركيز عراب نزار ـ أحد أبطال الرواية ـ وقدوته أو كما يدعوه زملائه مجنونه وأحيانا كثيرة لعنته حين تضيق عليه سبل الحياة ، تأثر برواية ” مائة عام من العزلة ” فقرر كتابة رواية تفاعلية يشارك في كتابة فصولها أصدقائه الخمسة بالتساوي واختاروا لها ” مائة عام من الفوضى ” . لعنة ماركيز هي استعارة للعنة تدوين الوجع والصراخ الذي يودي بمدونه إلى الموت الحتمي .
# رواية ” فوجا ” :
.. يستفز عنوان رواية ” فوجا ” للروائي المصري عمرو الجندي فضول الباحث عن رواية تتسم بالغموض والغرابة والاحتجاج على النمط الواقعي للسرد . ينتمي العنوان ” فوجا ” إلى علم سيكولوجيا الجرائم ويعني الهروب إلى الجريمة .
قد يقود الكبت المستمر إلى ارتكاب الجريمة كنوع من الفرار من الواقع والبحث عن مخرج افتراضي له . كل شخصية في الرواية حالة فوجية مختلفة ، يستعرض المؤلف من خلال أبطاله حالات متعددة ، كل حالة في لا وعي منها حاولت قمع ماضيها المثقل بمشاعر الظلم والدونية من خلال ارتكاب الجريمة أو الاشتراك فيها .
يستدعي السارد العليم جذور الشخصيات الممتدة لمرحلة الطفولة باستخدام تقنية الفلاش باك ، وانتهاء بمرحلة الزمن الآني لحدوث الجريمة المشتركة . كما يلجأ السارد إلى أسلوب التحليل النفسي بوصفه خطا مستقلا يسير بموازاة الحدث الفعلي وتشعباته ، مبررا بالدلائل المادية والعقلية أسباب الجريمة ودوافع ارتكابها .

# رواية ” كريماتوريوم “:
أما ” كريماتوريوم ” فهو اسم غريب آخر لرواية واسيني الأعرج تحكي قصة الاغتراب خارج حدود الهوية حتى بعد الموت . رفضت السلطات الإسرائيلية طلب مي الفنانة الفلسطينية المغتربة في أمريكا السماح لها بالدفن في القدس بعد الموت ، لذا قررت وهي على فراش الموت الاتصال بمؤسسة ” إليس آيلند ” لمصاحبة الموتى إلى راحتهم الأبدية ، لتمنح جسدها للمحرقة في ” كريماتوريوم ” تحت ثمانمائة وخمسين درجة مئوية ، فلا يبقى غير الرماد وبقايا العظام .
أوصت مي ولدها الوحيد جمع الرماد في ثلاث جرار رخامية بعد عجنه بنوار البنفسج وبعثرته فوق نهر الأردن وفي حي المغاربة حيث عاش جدها الأندلسي ” بومدين المغيث ” وفي مقبرة العائلة القديمة حيث ترقد والدتها .
كريماتوريوم أو عملية ترميد الموتى في رمزيتها هي التخلص من القشر الجسدي المنفي بآلامه وعلله والإبقاء على الجوهر الرمز الذي سيراوغ وصولا إلى أرض الآباء والأجداد ليتنفس هناك عبق أشجار الزيتون ونوار البنفسج عند سفوح مدينة القدس .
# رواية ” عزازيل “:
واختار الروائي المصري يوسف زيدان ” عزازيل ” عنوانا مثيرا لروايته الحائزة على جائزة البوكر للرواية العربية ، والمثيرة للجدل لتناولها تاريخيا بعض الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة . يعد النص الروائي ترجمة لمخطوطات أثرية وجدت في خرائب قرب حلب ، توثق باللغة السريانية سيرة حياة الراهب المصري هيبا .
وعن دلالة العنوان فعزازيل في الرواية هو المعنى المرادف للشيطان ، شيطان الراهب الذي يتجلى له في عزلته ، يمنحه مبررات ذنوبه ، ويحثه على المضي في الكتابة والاعتراف بكل ما ارتكبه في حياته من خطايا ليتطهر . عزازيل فلسفة النفس في استدراج خباياها للمثول على منصة البوح لتتحرر من قيود آثامها الثقيلة . وعزازيل أيضا الوهم الذي تخلقه الأنا ، بل هو الأنا التي تعبر عن كل ما هو مخفي في دواخل الإنسان وعقله اللاواعي .
# رواية ” الشبح “:
وفي الرواية المترجمة يكتشف قارئ رواية ” الشبح Phantom ” للكاتب النرويجي “جو نيسبو” أن العنوان مجرد رمز لمعاني عديدة ومتضادة وردت في النص .
لم يرد العنوان ” الشبح ” بوصفه مفهوما دالا بل إجرائيا وفي مواضع محددة في رواية كبيرة الحجم نسبيا . حيث أن الأشباح تنتمي للعالم اللا مادي ..
